إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كان يسير في بعض أسفاره

          5012- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بنُ أبي أويسٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) إمامُ الأئمةِ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ) أسلمَ مولى عمر بن الخطَّاب: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) عند الطَّبرانيِّ(1): أنَّه الحديبية (وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا) ظاهرهُ الإرسال، لكن رواه التِّرمذيُّ من هذا الوجه متصلًا بلفظ: عن أبيهِ سمعت عمر، بل في هذا الحديثِ نفسه ما يدلُّ للاتصال؛ حيث قال فيه: قالَ عمرُ: فحرَّكت بعيري؛ إذ مقتضاهُ أنَّه سمعه يقول ذلك (فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ صلعم ، ثُمَّ سَأَلَهُ) ╕ عمرُ (فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ) بتكرير السُّؤال ثلاثًا لظنِّه أنَّه لم يسمعْه (فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ) بفتح المثلثة وكسر الكاف الأولى، فقدتكَ (أُمُّكَ) دعاءٌ على نفسهِ لما وقعَ منه من الإلحاحِ (نَزَرْتَ) بزاي مخففة في الفرع وتثقل بعدها راء (رَسُولَ اللهِ صلعم ) ألححْتَ عليهِ وبالغتَ في سؤالهِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى كُنْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ) بكسر الشين المعجمة (أَنْ يَنْزِلَ) بفتح أوله وكسر الزاي (فِيَّ قُرْآنٌ) بتشديد الياء (فَمَا نَشِبْتُ) بفتح النون وكسر الشين المعجمة؛ أي: فما لبثتُ (أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا) لم يسمَّ (يَصْرُخُ) زاد الأَصيليُّ: ”لي“ (قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ) أي: فردَّ عليَّ السلام (فَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) لما فيها من البشارةِ بالفتح والمغفرةِ (ثُمَّ قَرَأَ) ╕ : ({إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}[الفتح:1]) أي: قضينَا لكَ قضاء بيِّنًا على أهلِ مكَّة أن تدخلها أنت وأصحابُك من قابلٍ(2) ليطوفُوا بالبيتِ، من الفَتَاحَة وهي الحُكُومة، أو المرادُ فتحُ مكَّة عِدَةً له بالفتحِ، وجيءَ به على لفظ الماضي؛ لأنَّها في تحققها(3) بمنزلةِ الكائنة(4)، وفي ذلك من الفخامةِ والدَّلالة على علوِّ شأن المخبَرِ بهِ‼ ما لا يخفى.


[1] في (م): «الطَّبريِّ».
[2] قوله: «من قابل» هو بالتنوين، كما هو في رواية مسلم: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع...» إلى آخره.
[3] في (س): «لأنه في تحققه».
[4] في (س): «الكائن».