إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عباس: مرحبًا بالوفد والقوم غير خزايا ولا ندامى

          7266- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ) بفتح الجيم وسكون العين بعدها دالٌ مهملتين الجوهريُّ البغداديُّ قال: (أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج. (ح) للتَّحويل(1): قال البخاريُّ: (وَحَدَّثَنِي) بالإفراد (إِسْحَاقُ) ”بن رَاهُوْيَه“، قال في «الفتح»: كما في رواية أبي ذرٍّ، قال: (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ) بالنُّون المفتوحة والضَّاد المعجمة السَّاكنة، ابن شُمَيلٍ أبو الحسن المازنيُّ البصريُّ النَّحويُّ شيخ مرو ومحدِّثها قال: (أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بالجيم والرَّاء نصر بن عمران الضُّبَعيِّ أنَّه (قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ (يُقْعِدُنِي) بضمِّ أوَّله وكسر ثالثه (عَلَى سَرِيرِهِ) وفي «مسند إسحاق بن رَاهُوْيَه»: أنبأنا النَّضر بن شُمَيلٍ وعبد الله بن إدريس قالا: حدَّثنا شعبة... فذكره، وفيه فيُجلسني معه على السَّرير، فأترجم بينه وبين النَّاس (فَقَالَ: إِنَّ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ في نسخةٍ: ”فقال لي: إنَّ“ (وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ) بن أفصى (لَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلعم ) عام الفتح (قَالَ) لهم: (مَنِ الوَفْدُ؟) وفي «كتاب الإيمان» [خ¦53] بكسر الهمزة: «منِ القوم أو منِ الوفد»؟ بالشَّكِّ (قَالُوا): نحن (رَبِيعَةُ) بن نزار بن معدّ بن عدنان (قَالَ: مَرْحَبًا بِالوَفْدِ وَالقَوْمِ) «مرحبًا» مأخوذ من رحُب رُحْبًا، بالضَّمِّ، إذا وسع، منصوبٌ بعاملٍ مُضمَرٍ لازمٍ إضماره، والمعنى أصبتم رَحْبًا وسَعةً، ولأبي ذرٍّ: ”أوِ القومُ“ بزيادة همزةٍ قبل الواو، بالشَّكِّ من الرَّاوي (غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى) جمع «نادمٍ» على لغةٍ ذكرها القزَّاز، و«غيرَ» حالٌ من «الوفد» أو «القوم» والعامل فيه الفعل المقدَّر (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ) بضمِّ الميم وفتح الضَّاد المعجمة، مخفوضٌ للإضافة بالفتحة للعلميَّة والتَّأنيث، وكانت مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق (فَمُرْنَا بِأَمْرٍ) زاد في «الإيمان» [خ¦53] «فَصْلٍ» بالصَّاد المهملة والتَّنوين في الكلمتين على الوصفيَّة (نَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ) إذا قُبِلَ منَّا برحمة الله (وَنُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا) من قومنا الذين خلفناهم في بلادنا (فَسَأَلُوا) النَّبيَّ صلعم (عَنِ الأَشْرِبَةِ) أي: عن ظروفها (فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللهِ) أي: وحده (قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ) ╕ : هو (شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ _وَأَظُنُّ فِيهِ) في الحديث: (صِيَامُ رَمَضَانَ_ وَتُؤْتُوا) وفي «الإيمان»: «وأن تُعطوا» وهو معطوفٌ على قوله: «بأربعٍ» أي: أمرهم بالإيمان وبأن يُعطوا (مِنَ المَغَانِمِ) بلفظ الجمع (الخُمُسَ) قال في «شرح المشكاة»: قوله: «بأمرٍ فصلٍ» يُحتَمل أن يكون «الأمر» واحد الأوامر، وأن يكون بمعنى الشَّأن، و«فَصْلٍ» يُحتَمل أن يكون بمعنى الفاصل، وهو الذي يفصل بين الصَّحيح والفاسد، والحقِّ والباطل، وأن يكون بمعنى المفصَّل أي: مُبيَّنٍ(2) مكشوفٍ ظاهرٍ، ينفصل به المراد عن الاشتباه، فإذا كان بمعنى الشَّأن والفاصل _وهو الظَّاهر_ يكون التَّنكير للتَّعظيم بشهادة قوله: ندخل به الجنَّة، كما قال صلعم : «سألتني عن عظيمٍ» في جواب معاذ: «أخبِرْني بعملٍ يدخلني الجنَّة»، فالمناسب حينئذٍ أن يكون الفصْل بمعنى المفصّل لتفصيله صلوات الله وسلامه عليه الإيمان بأركانه الخمسة كما فصَّله في حديث معاذٍ، وإن كان بمعنى واحدِ الأوامر فيكون التَّنكير للتَّقليل، فإذًا المراد / به اللَّفظ، والباء للاستعانة، والمأمور به محذوفٌ أي: مُرنا بعملٍ بواسطة «افعل» وتصريحه في هذا المقام أن يُقال لهم: آمِنوا، أو قولوا: آمنَّا، هذا هو المعنيُّ بقول الرَّاوي: أمرهم بالإيمان بالله، وعلى أن يراد بالأمر الشَّأن يكون المراد معنى اللَّفظ ومؤدَّاه، وعلى هذا «الفصل» بمعنى الفاصل أي: مُرنا بأمرٍ فاصلٍ جامعٍ قاطعٍ كما في قوله صلعم : «قل: آمنت بالله ثمَّ استقم» فالمأمور ههنا أمرٌ واحدٌ، وهو الإيمان، والأركان الخمسة كالتَّفسير للإيمان، بدلالة قوله صلعم : «أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟» ثمَّ بيَّنه بما قال، فإن قيل: على هذا في قول الرَّاوي إشكالان: أحدهما أنَّ المأمور واحدٌ، وقد قال: أربعة، وثانيهما أنَّ الأركان خمسةٌ، وقد ذكر أربعًا، والجواب عنِ الأوَّل أنَّه جعل الإيمان أربعًا باعتبار أجزائه المفصَّلة، وعن الثَّاني أنَّ من عادة البلغاء أنَّ الكلام إذا كان منصوبًا لغرضٍ من الأغراض جعلوا سياقه له، وتوجُّهه إليه، كأنَّ ما سواه مرفوضٌ مطروحٌ، ومنه قوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ}[يس:14] أي: فعزَّزناهما، ترك المنصوب، وأتى بالجارِّ والمجرور لأنَّ الكلام لم يكن مسوقًا له، فههنا لمَّا لم يكنِ الغرض في الإيراد ذكر الشَّهادتين؛ لأنَّ القوم كانوا مؤمنين مقرِّين بكلمتي الشَّهادة بدليل قولهم: «الله ورسوله أعلم» وترحُّبِ النَّبيِّ صلعم بهم(3)، ولكن كانوا يظنُّون أنَّ الإيمان مقصورٌ عليهما، وأنَّهما كافيتان لهم، وكان الأمر في صدر الإسلام؛ لذلك لم يجعله الرَّاوي من الأوامر، وقصد به أنَّه صلعم نبَّههم على موجب توهُّمهم بقوله: «أتدرون ما الإيمان؟» ولذلك خصَّص ذكر «أن تعطوا من المغانم الخمس» حيث أتى بالفعل المضارع على الخطاب؛ لأنَّ القوم كانوا أصحاب حروبٍ وغزواتٍ بدليل قولهم: «وبيننا وبينك كفَّار مضر» لأنَّه هو الغرض(4) من إيراد الكلام، فصار أمرًا من الأوامر. انتهى. (وَنَهَاهُمْ) صلعم (عَنِ) الانتباذ في (الدُّبَّاءِ) بضمِّ الدَّال المهملة وتشديد الموحَّدة والمدِّ: القرع (وَ) الانتباذ في (الحَنْتَمِ) بالحاء المهملة المفتوحة: الجرَّة الخضراء (وَ) الانتباذ في (المُزَفَّتِ) ما طُليَ بالزِّفت (وَ) الانتباذ في (النَّقِيرِ) بالنُّون المفتوحة والقاف المكسورة: أصل خشبةٍ تُنقَر، فيُنتَبذ فيه (وَرُبَّمَا قَالَ) ابن عباس: (المُقَيَّرِ) بضمِّ الميم وفتح القاف والتَّحتيَّة المشدَّدة: ما يطلى بالقار، نبتٌ يُحرق إذا يبس، تُطلى به السُّفن كما تطلى بالزِّفت، وهذا منسوخٌ بحديث مسلمٍ: «كنت نهيتكم عن الانتباذ إلَّا في الأسقية، فانتبذوا في كلِّ وعاء، ولا تشربوا مُسكِرًا» وقدَّره الشَّيخ عزُّ الدِّين بن عبد السَّلام في «مجاز القرآن» وأنهاكم عن شرب نبيذ الدُّبَّاء والحنتم والمُزفَّت والنَّقير، فليتأمَّل. (قَالَ: احْفَظُوهُنَّ) بهمزة وصلٍ (وَأَبْلِغُوهُنَّ) بهمزةٍ مفتوحةٍ وكسر اللَّام (مَنْ وَرَاءَكُمْ) من قومكم، وفيه دليلٌ على أنَّ إبلاغ(5) الخبر وتعليم العلم واجبٌ؛ إذ الأمر للوجوب وهو يتناول كلَّ فردٍ فردٍ، فلولا أنَّ الحجَّة تقوم بتبليغ الواحد، ما حضَّهم عليه.
          والحديث سبق أوائل الكتاب في «الإيمان» [خ¦53].


[1] في (ص): «لتحويل السند».
[2] في (ب): «بين». والمثبت موافق لشرح المشكاة.
[3] في (ص): «لهم». وكذا في شرح المشكاة.
[4] قوله: «أنَّ الكلام إذا كان منصوبًا لغرضٍ... مضر؛ لأنَّه هو الغرض» سقط من (ع).
[5] في (ب): «بلاغ».