إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث جابر: إنما جعل النبي الشفعة في كل ما لم يقسم

          6976- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المعروف بالمسنديِّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ) الصَّنعانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو: ابنُ راشد (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بنِ مسلم (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) ابنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوف (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريِّ ☻ أنَّه (قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صلعم الشُّفْـُعَةَ) بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وحُكي ضمها، وهي لغة: الضم، وشرعًا: حقُّ تملُّك قهريٍّ يثبت للشَّريكِ القديم على الحادثِ فيما ملك بعوضٍ (فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ) من العقارِ، و«ما» موصولةٌ بمعنى الَّذي، والصِّلة جملة «لم يُقْسَم»، والعائد المفعول الَّذي لم يُسمَّ فاعله، وهو هنا محذوفٌ(1)، أي: فيما لم يقسم من العقارِ كما مرَّ (فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ) جمع: حدٍّ، وهو هنا ما تتميَّز(2) به الأملاكُ بعد‼ القسمةِ (وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ) بضم الصاد وكسر الراء مشددة ومخففة، أي: بيِّنت مَصارفها وشَوارعها، وجواب «فإذا» قوله: (فَلَا شُفْـُعَةَ) لأنَّه صارَ مَقسومًا وخرجَ عن الشَّركة فصار في حكمِ الجوار، والمعنى في الشُّفعة: دفعُ ضرر مُؤنة القسمةِ، واستحداثِ المرافقِ كالمِصْعَد والمِنْوَر والبَالُوعة في الحصَّة الصَّائرةِ إليه. وظاهره: أنْ لا شفعةَ للجار؛ لأنَّه نفَى الشُّفعة في كلِّ مقسومٍ.
          والحديث سبق في «البيوع» [خ¦2214].
          (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) هو أبو حنيفة ⌂ : تُشْرع (الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ) بكسر الجيم، المجاورة (ثُمَّ عَمَدَ) بفتحات، أي: عمدَ أبو حنيفة (إِلَى مَا شَدَّدَهُ) بالشين المعجمة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”إلى ما سدَّدَه“ بالسين المهملة، أي: من إثبات الشُّفعة للجارِ كالشَّريك (فَأَبْطَلَهُ. وَقَالَ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا) أي: أرادَ شراءهَا كاملةً (فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَها الجَارُ بِالشُّفْعَةِ فَاشْتَرَى) منها (سَهْمًا) واحدًا شائعًا (مِنْ مِئَةِ سَهْمٍ) فيصيرُ شريكًا لمالكِها (ثُمَّ اشْتَرَى البَاقِيَ، وَكَانَ) بالواو، وسَقَطتْ لأبي ذرٍّ (لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأَوَّلِ) فيصير أحقُّ بالشُّفعة من الجار؛ لأنَّ الشَّريك في المشاعِ أحقُّ من الجار (وَلَا شُفْعَةَ لَهُ) أي: للجارِ (فِي بَاقِي الدَّارِ، وَلَهُ) أي: للَّذي اشترى الدَّار وخافَ أن يأخذَها الجار (أَنْ يَحْتَالَ فِي ذَلِكَ) فناقضَ كلامه؛ لأنَّه احتجَّ في شفعةِ الجار بحديث [خ¦2258] «الجار أحقُّ بسَقَبِهِ»، ثمَّ تحيَّل في إسقاطِها بما / يقتضِي أن يكون غير الجار أحقّ بالشُّفعة من الجار، وليس فيه شيءٌ من خلاف السُّنَّة، لكنَّ المشهور عند الحنفيَّة: أنَّ الحيلة المذكورة لأبي يوسف، وأمَّا محمَّد بن الحسن(3) فقال: يُكره ذلك أشدَّ الكراهة؛ لما فيه من الضَّرر لا سيَّما إن كان بين المشتري والشَّفيعِ عداوة، ويتضرَّر بمشاركتهِ.


[1] قال العلَّامة قطة ⌂ : الصواب أن يقول: مستتر، ويحذف قوله: أي ... .
[2] في (ع) و(ص): «يتميز».
[3] في (ع): «يوسف».