إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه

          6975- (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضلُ بنُ دكين قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ أَيُّوبَ) السَّخْتِيانِيِّ (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابنِ عبَّاس (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) زاد مسلمٌ في(1) روايةِ أبي جعفر محمَّد بنِ عليٍّ الباقر عنه: «فيأكله» (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ) بفتح السين، أي: لا ينبغِي لنا معشرَ المؤمنين أن نتَّصف بصفةٍ ذميمةٍ يُشابِهُنَا فيها أخسُّ الحيوانات في أخسِّ أحوالها(2)، وظاهر هذا المثل _كما قاله النَّوويُّ_: تحريم الرُّجوع في الهبة بعد القبض، وهو محمولٌ على هبة الأجنبيِّ لا ما وهبهُ لولده. وقال العينيُّ: لم يقل أبو حنيفة هذه المسألة على هذه الصُّورة بل قال: إنَّ للواهبِ أن يرجعَ في هبته إذا كان الموهوبُ له أجنبيًّا، وقد سلَّمها له؛ لأنَّه قبل التَّسليم يجوز(3) مطلقًا، واستدلَّ لجواز الرُّجوع بحديثِ ابن عبَّاس عند الطَّبرانيِّ مرفوعًا: «مَن وهبَ هبةً فهو أحقُّ بهبتهِ ما لم يُثَب منها». وحديث ابن عمر مرفوعًا عند الحاكم وقال: صحيحٌ على شرطهما. قال: ولم ينكرْ أبو حنيفة حديث: «العائد في هبتهِ كالكلبِ يعودُ في قيئه»، بل عمل بالحديثينِ معًا، فعمل بالأوَّل في جوازِ الرُّجوع، وبالثَّاني في كراهةِ الرُّجوع، واستقباحهِ لا في حرمتهِ، وفعل الكلبِ يُوصف بالقبحِ لا بالحرمةِ.
          والحديث سبق في «الهبة» [خ¦2589].


[1] في (ب) و(س): «من».
[2] في (س): «أحواله».
[3] في (ص) زيادة: «له».