إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يرث المسلم الكافر

          6764- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) الضَّحَّاكُ بنُ مخلد النَّبيل (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) عبدِ الملك بنِ عبد العزيز (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلم الزُّهريِّ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ) المشهور بزين العابدين (عَنْ عُمَر) بضم العين (بْنِ عُثْمَانَ) بنِ عفَّان القرشيِّ العدويِّ، ولأبي ذرٍّ: ”عن عَمرو“ بفتح العين، بدل: «عُمر» بضمِّها، وكلاهما ولدٌ لعثمان، واتَّفق الرُّواة عن الزُّهريِّ أنَّ عَمرو بن عثمان _بفتح العين وسكون الميم_ إلَّا أنَّ مالكًا وحدَه، قال: عُمر‼ _بضم أوَّله وفتح الميم_ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ☻ : أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ) وذهبَ معاذُ بن جبل ومعاويةُ وسعيدُ بن المسيَّب، ومسروقٌ إلى أنَّه يرثُ منه لقولهِ صلعم : «الإسلامُ يَعلو، ولا يُعلى عليه»(1) وحجَّة الجمهور هذا الحديث الصَّحيح.
          وأجابُوا عن حديث: «الإسلام يَعلو» بأنَّ معناه: فضلُ الإسلامِ، وليس فيه تعرُّضٌ للإرثِ، فلا يُترك النَّصُّ الصَّريح لذلك(2) (وَلَا) يرثُ (الكَافِرُ المُسْلِمَ) إجماعًا، ولا يرثُ نحو مرتدٍّ كيهوديٍّ تنصَّر أحدًا؛ إذ ليس بينه وبين أحدٍ موالاة في الدِّين؛ لأنَّه تركَ دِينًا يُقَرُّ عليه ولا يُقَرُّ على دينهِ الَّذي انتقلَ إليه، ولا يورَثُ لذلك(3) كزنديقٍ، وهو(4) من لا يتديَّن بدينٍ فلا يرثُ ولا يُورث لذلك، وأمَّا المسلم من المرتدِّ، فقال مالكٌ والشَّافعيُّ(5): لا يرثُ المسلمُ المرتدَّ. وقال أبو حنيفة والثَّوريُّ: يرثُه، لكن قال أبو حنيفة: ما اكتسبَهُ في ردَّته لبيتِ المال، وما اكتسبَهُ في الإسلام فهو لورثتهِ المسلمين. وأمَّا الكافران فيتوارثان، وإن اختلفتْ ملَّتهمَا كيهوديٍّ ونصرانيٍّ، أو مجوسيٍّ، أو وثنيٍّ؛ لأنَّ الملل في البُطلان كالملَّة الواحدةِ.
           ومن به رِقٌّ ولو مدبَّرًا أو مكاتبًا فلا يرثُ ولا يُورث لنقصهِ، ولأنَّه(6) لو ورثِ لملَكَ، واللَّازم باطلٌ إلَّا مبعَّضًا، فيورِّث ما ملكَه بحرِّيته لتمامِ مُلكه عليه، ولا شيءَ لسيِّده منه؛ لاستيفاءِ حقِّه ممَّا اكتسبَه بالرِّقِّيَّة.
           ولا يرثُ قاتلٌ من مقتولهِ، وإن لم يضمنْ بقتلهِ لحديث: «ليسَ للقاتلِ شيءٌ» أي: من الميراث. رواه التِّرمذيُّ بسندٍ صحيحٍ، ولأنَّ الإرثَ للموالاةِ والقاتلُ قطعَها. ومن فُقِدَ وُقِفَ مالُه حتَّى تقومَ بيِّنةٌ بموتهِ، أو يَحْكمُ بموتهِ قاضٍ بعد مضيِّ مدةٍ من ولادتهِ لا يعيشُ فوقَها ظنًّا، فيُعطى ماله من يرثهُ حينئذٍ.
          والحديث سبقَ في «المغازي» [خ¦4283]، والله أعلم.


[1] أخرجه البخاري من قول ابن عباس [قبل ح: 1354].
[2] في (د): «بذلك».
[3] في (ع) و(د): «يرث كذلك».
[4] في (ع): «لا».
[5] في (د): «فقال الشافعي ومالك».
[6] في (د): «وأنه».