إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: جاء رجل إلى النبي فقال: هلكت

          6709- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيينة (عَنِ الزُّهريِّ) محمَّد بن مسلمٍ (قَالَ) سفيان بن عُيينة: (سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ) أي: من فم الزُّهريِّ؛ أي: ليس معنعنًا مُوهمًا للتَّدليس(1) (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوفٍ الزُّهريِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ ، أنَّه (قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ) قيل(2): هو سلمة بن صخرٍ البياضيُّ (إِلَى النَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَ: هَلَكْتُ) أي: فعلتُ ما هو سببٌ لهلاكي (قَالَ صلعم ) لهُ: (مَا) ولأبي ذرٍّ: ”وما“ (شَأْنُكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ) أي: وَطئتها، كما في حديثٍ آخر (قَالَ) صلعم لهُ: (تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ) بضم الفوقية، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”أن تعتقَ“ (رَقَبَةً؟ قَالَ‼: لَا) أستطيعُ (قَالَ) صلعم : (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا) أستطيعُ (قَالَ) ╕ (3) / (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ) صلعم لهُ: (اجْلِسْ) فَجَلَسَ(4) (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلعم بِعَرَقٍ) بفتح العين المهملة والراء (فِيهِ تَمْرٌ _وَالعَرَقُ المِكْتَلُ الضَّخْمُ_) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقيَّة، يسعُ خمسةَ عشر صاعًا (قَالَ) صلعم لهُ: (خُذْ هَذَا) العَرَق بتمرهِ (فَتَصَدَّقْ بِهِ) أي: بالتَّمر (قَالَ): أتصدَّقُ به (عَلَى) شخصٍ (أَفْقَرَ مِنَّا)؟ ولأبي ذرٍّ: ”أفقرَ(5) منِّي“ (فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلعم حَتَّى بَدَتْ) ظهرَتْ (نَوَاجِذُهُ) بالذال المعجمة، آخرُ الأسنان، أو هي الأضراسُ تعجُّبًا من حالهِ، ثم (قَالَ) صلعم : (أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ).
          وفي الحديث: أنَّ كفَّارة الوقاعِ مرتَّبة: إعتاقٌ، ثمَّ صومٌ، ثمَّ إطعامٌ، وتجب نيَّتُها بأن يَنوي الإعتاقَ، وكذا باقيها عن الكفَّارة؛ لتتميَّز عن غيرِها كنذرٍ، فلا يَكفي الإعتاقُ الواجب عليه مثلًا وإن لم يكن عليه غيرها، ومراد البخاريِّ _كما قال ابن المُنَيِّر_: التَّنبيه على أنَّ الكفَّارة إنَّما تجب بالحنثِ، كما أنَّ كفَّارة المُواقِع(6) في نهارِ رمضان إنَّما كانت باقتحام الذَّنب، وأشار إلى أنَّ الفقير لا يسقطُ عنه إيجاب الكفَّارة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم عَلِم فقرهُ وأعطاه مع ذلك ما يكفِّر به، كما لو أعطى الفقيرَ ما يقضي به دينهُ. قال: ولعلَّه كما نبَّه على احتجاجِ الكوفيِّين بالفدية نبَّه هنا على ما احتجَّ به من خالفَهم(7) من إلحاقِها بكفَّارة المواقع، وأنَّها مُدٌّ لكلِّ مسكين. انتهى.
          ومذهب الشَّافعيِّ: أنَّ له تقديم الكفَّارة بلا صومٍ على أحدِ سببيها؛ لأنَّه حقٌّ ماليٌّ تعلَّق بسببين، فجاز تقديمُها على أحدهما كالزَّكاة فتقدَّم على الحنثِ، ولو كان حرامًا كالحنث بترك واجبٍ أو فعل حرامٍ، وعلى عودٍ في ظهارٍ كأن ظاهرَ من رجعيَّةٍ ثمَّ كفَّرَ ثمَّ راجعها، وكأن طلَّق رجعيًّا عقب ظهارهِ ثمَّ كفَّرَ ثمَّ راجعَ، وأمَّا الصَّوم فلا يقدَّم؛ لأنَّه عبادةٌ بدنيَّةٌ، فلا تقدَّم على وقتِ وجوبها بغير حاجةٍ كصومِ رمضان.
          والحديث سبق في «الصَّوم» [خ¦1936].


[1] «أي: من فم الزهريِّ؛ أي: ليس معنعنًا موهمًا للتدليس»: ليست في (د).
[2] «قيل»: ليست في (د) و(ع).
[3] في (د): « صلعم ».
[4] في (ل): «فجلس» بالأسود شرحًا.
[5] «أفقر»: زيادة من (ع).
[6] في (ع) و(د): «الوقاع». والمثبت موافق للفتح.
[7] في (ع) و(د): «يخالفهم». والمثبت موافق للفتح.