إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رجلًا من أسلم جاء النبي فاعترف بالزنا

          6820- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“‼ (مَحْمُودٌ) وللنَّسفيِّ: ”محمود بن غيلان“ وهو المروزيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّام بن نافع الحميريُّ، مَولاهم أبو بكر الصَّنعانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة، ابنُ راشد (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوف (عَنْ جَابِرٍ) هو: ابنُ عبد الله الأنصاريِّ ☻ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ) اسمه / : ماعزُ بن مالك (جَاءَ النَّبِيَّ صلعم فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلعم حَتَّى شَهِدَ) أقرَّ (عَلَى نَفْسِهِ) به (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، قَالَ(1) لَهُ النَّبِيُّ صلعم : أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: آحْصَنْتَ؟) بمدِّ الهمزة، أي: أتزوَّجت ودخلتَ بها وأصبتَها (قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ) صلعم (فَرُجِمَ بِالمُصَلَّى) أي: عندها (فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ) بالذال المعجمة والقاف، أوجعتْه (الحِجَارَةُ) أي: حجارة الرَّمي، فـ «أل» للعهد (فَرَّ) بالفاء المفتوحة والراء المشددة، أي: هرب (فَأُدْرِكَ) بضم الهمزة، بالحرَّة (فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلعم خَيْرًا) أي: ذَكَرهُ بخيرٍ، وفي حديثِ بريدة عند مسلمٍ: فكان النَّاس فيه فريقين: قائل يقول: هلك(2) لقد أحاطتْ به خطيئتُه، وقائل يقول: ما توبةٌ أفضلُ من توبة ماعز، وفيه: «لقد تابَ توبةً لو قسمت على أمَّةٍ لوسعتْهُم»، وفي حديثِ أبي هريرة(3) عند النَّسائيِّ: «لقدْ رأيتُهُ بينَ أنهارِ الجنَّة ينغمِسُ»، قال: يعني: يتنعَّم. وفي حديث أبي ذرٍّ عند أحمد: «قد غفرَ لهُ وأدخلَهُ الجنَّة» (وَصَلَّى) صلعم (عَلَيْهِ) خالف محمودُ بنُ غيلان عن عبد الرَّزَّاق محمَّدَ بن يحيى الذُّهليَّ وجماعةً عن عبد الرَّزاق فقالوا في آخره: لم يصلِّ عليه (و) قال البخاريُّ: (لَمْ يَقُلْ يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ، فيما وصلَّه المؤلِّف في «باب رجم المحصن» [خ¦6814] (وَابْنُ جُرَيْجٍ) فيما وصله مسلمٌ في روايتهما (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم: (فَصَلَّى عَلَيْهِ). وزاد في رواية المُستملي وحده عن الفَـِربْريِّ: ”سُئل أبو عبد الله البخاريُّ هل قوله: فصلَّى عليه، يصحُّ أم لا؟ قال: رواه مَعمر“ أي: ابن راشد ”قيل(4) للبخاريِّ أيضًا: هل رواه غير مَعمر؟ قال: لا“. قال الحافظُ ابن حجرٍ: واعتُرض على البخاريِّ في جزمِهِ بأنَّ معمرًا روى هذه الزِّيادة مع أنَّ المنفرد بها إنَّما هو محمود بن غيلان عن عبد الرَّزَّاق، وقد خالفه العددُ الكثيرُ من الحفَّاظ، فصرَّحوا بأنَّه لم يصلِّ عليه، لكن ظهر لي أنَّ البخاريَّ قويتْ عنده رواية محمود بالشَّواهد، فقد أخرج عبد الرَّزَّاق أيضًا وهو في «السُّنن» لأبي قرَّة من وجهٍ آخر، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصَّة ماعز، قال: فقيل: يا رسول الله أتصلِّي عليه؟ قال: «لا»، فلمَّا كان من الغدِ، قال: «صلُّوا على صاحِبِكم» فصلَّى عليه رسولُ الله صلعم والنَّاس. قال الحافظُ ابن حجرٍ: فهذا الخبر‼ يجمعُ الاختلاف، فتُحملُ رواية النَّفي على أنَّه لم يصلِّ عليه حين رُجمَ، ورواية الإثباتِ على أنَّه صلَّى عليه في اليوم الثَّاني، وقد اختُلف في هذه المسألة، فالمعروف عن مالك أنَّه يكرهُ للإمام وأهل الفضل الصَّلاة على المرجومِ؛ ردعًا لأهل المعاصي، وهو قول أحمد، وعند الشَّافعيِّ: لا يكرهُ وهو قول الجمهورِ.
          وحديث الباب أخرجه مسلمٌ في «الحدود»، وأخرجه أبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ.


[1] في (ب): «فقال».
[2] في (د): «هالك».
[3] في الأصول: «أبي عزيزة» وهو تصحيف عن أبي هريرة، كما عند النسائي في «الكبرى» (7162).
[4] في (ع) و(ص) و(د) زيادة: «له».