التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب المداراة مع الناس

          ░82▒ (بَابُ المُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ)
          هي لين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول، وهي مندوبةٌ مِن أخلاق المؤمنين، وكان النبيُّ صلعم أحسن النَّاس أخلاقًا فكان يسُرِّح إلى عائشة صواحبها ليلعبن معها. وقد رُوي عن رسول الله صلعم أنَّه قال: ((المداراة مع النَّاس صدقةٌ)). قال بعض العلماء: وظنَّ مَن لم يُنعم النَّظر أنَّ المداراة هي المداهنة، وذلك غلط.
          والمداهنة مشتقَّة مِن الدهان الذي يظهر على ظواهر الأشياء ويستر بواطنها، وهي محرَّمة.
          والفرق بين المداراة والمداهنة أنَّ المداهنة: هي أن تلقى الفاسق المعلن بفسقه فتؤالفه ولا تُنكر عليه. وكان الشارع صلعم ينبسط إلى النِّساء والصبيان ويمازحهنَّ. وقال: ((إنِّي لأمزح ولا أقول إلَّا حقًّا)). فإن قيل: فما الجواب في حديث: ((بئس أخو العشيرة)) ثمَّ لمَّا دخل أَلانَ. قيل: كان ◙ مأمورًا بأْن لا يحكم على كلِّ أحدٍ إلَّا بما ظهر منه للنَّاس، لا ما يعلمه هو منهم دون غيره. وكان المنافقون لا يُظهرون له إلَّا التَّصديق والطَّاعة، فكان الواجب عليه أن لا يُعاملهم إلَّا بمثل ما أظهروا له. وقد قال ◙ في المنافقين: ((أولئك الَّذين نهاني الله عن قتلهم))، والرَّجل الداخل عليه إنَّما كان يظهر بلفظ الإيمان، فقال ◙ فيه قبل وصوله إليه مَا عَلمَ منه، دون أن يُظهر له في وجهه، وأفاد بكلامه ممَّا عَلم منه إعلام عائشة بحاله، وألانَ له القول ليتألَّفه رجاءَ صلاح نيَّته وإنابته إلى الإسلام، بْل لو أنَّه كان مِن أهل الشِّرك، ورجا رسول الله صلعم أن يُسلم ويُسلم قومه وينيبوا إلى الإسلام، لم يكن فِعلُه ذلك مداهنةً؛ لأنَّه ليس عليه حكم إلَّا مِن جهة الدُّعاء إلى الإسلام.
          وقد أخرج ابن أُبيِّ بن سلولٍ رأس المنافقين مِن قبره ونفثَ عليه مِن ريقه، وألبسَه قميصه تألُّفًا لقومِه رجاء إسلامهم وإنابتهم إلى الإسلام، وليس ذلك مِن المداهنة في شيءٍ.
          قوله: (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) بالمدِّ، اسمُه: عُويمر الأنصاريُّ.
          قوله: (إِنَّا لَنَكْشِرُ) بكسر الشين المعجمة مِن الكَشْرُ، وهو الكَشْرُ عَن الأسنان كالتبسُّم، وهو أوَّل الضَّحك.
          قوله: (وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ) هو مِن اللَّعن، كما هو بخطِّ الدمياطيِّ. وذكره ابن التين بلفظ <نقليهم>، ثمَّ قال: أي نبغضهم (1)، يُقال: قَلاه يقليه قلًى. قال ابن / فارسٍ: وقد قالوا: قَليته أقلاه، وفي «الصحاح»: أقلاه، لغة طيء، وهي مِن النوادر.


[1] في الأصل:((نغيضهم)).