التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب الهجرة

          ░62▒ (بَابُ الهِجْرَةِ)
          أي الهجرة في الكلام، وهو مفارقة الإنسان كلام أخيه المؤمن مَع تلاقيهما، وإعراض كلِّ واحدٍ منهما عَن صاحبه عند الاجتماع.
          قوله في ترجمة الباب: (وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ) هذه الترجمة تأتي في الباب مسندةً مِن حديث أنسٍ ☺، ومِن حديث أبي أيوُّب الأنصاريِّ ☺، وهذا فيمَن لم يجنِ على الدِّين جنايةً، فأمَّا مَن جنى عليه وعصى ربَّه، فجاءت الرُّخصة في عقوبته بالهجران، كالثَّلاثة الذين تخلَّفوا عَن غزوة تبوك، فإنَّ الشارع أمر بهجرانهم، فبقوا خمسين ليلةً حتَّى نزلت توبة الله عليهم، وقد آلى النبيُّ صلعم عن نسائه شهرًا، وهذا تخصيصٌ بعموم هذا الخبر. وقد عقد البخاريُّ لذلك بابًا، فقال: باب ما يجوز مِن الهجران لمن عصى، فإن قيل: أيأثم مَن يٌكلِّم الفجَّار والعصاة على علمٍ منهم بها بغير تأويل. قيل: قال ابن جرير: إنْ كلَّمهم بالتقريع والوعظ لم يأثم، وإنْ كلَّمهم على غير ذلك خشيتُ عليهم الإثم، إلَّا إن تكلَّم مَن لا يجد مِن كلامه بُدًّا، فيكلِّمه وهو كاره لطريقته وعَمله، كالذي كان مِن أبي قتادة في حقِّ كعب بن مالكٍ حين ناشده: أتعلمني أحبُّ الله ورسوله؟! كلُّ ذلك لا يجيبه، ثمَّ قال: الله ورسوله أعلم. ولم يردَّه على ذلك، / وقيل: كلامهم مكروه.