تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا}

          ░43▒ (بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} [مريم:2]).
           قوله ({ذِكْرُ}) خبر {كهيعص} [مريم:1] إن أُوِّل بالسورة أو القرآن، أو خبر محذوفٍ أي: المتلوُّ {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ}، أو مبتدأ خبره محذوف أي: فيما أوحي إليك {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ}.
          ({عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم:2]) فيه أربع لغات: المد والقصر مع بقاء الألف وحذفها مع تشديد الياء وتخفيفها، وهو مصروف في التشديد ممنوع الصرف في غيره، ({إِذْ}) متعلق برحمة.
          ({نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم:3]) أي: سرًّا جوفَ الليل؛ لأنه أسرع للإجابة ولأنه أبعد مِن الرياء وأدخل في الإخلاص.
          ({قَال رَبِّ إِنِّي وَهَنَ}) أي: ضعف. ({العَظْمُ مِنِّي} [مريم:4]) المراد: ضعف جميع بدني، وإنما خصَّ العظم؛ لأنه كالأس للبناء، فإذا ضعف الأس ضعف البناء، ولأنه(1) أصلب ما(2) في الإنسان فإذا ضَعُفَ ضَعُفَ غيره بالأولى. ({وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم:4]) شُبِّه الشيب في بياضه بشواظ(3) النار، وانتشاره في الشعر باشتعالها، ثم أخرجه مخرج الاستعارة ثم أُسْنِدَ الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان محل الشيب مبالغة، وجعل الشيب مميزًا إيضاحًا للمقصود.
           وقوله: ({إِذْ نَادَى}) إلى آخره ساقط مِن نسخة. (إِلَى قَوْلِهِ: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم:7]) قال ابن عبَّاس: أي: (مِثْلًا) لأنه كان سيدًا وحَصُورًا؛ أي: مبالغًا في حبس نفسه عن الشهوات والملاهي، وقال في رواية أخرى: أي: لم يسم أحد قبله بيَحْيَى، وفيه فضيلة ليَحْيَى إذ تولى الله تسميته باسم لم يسبق إليه ولم يكلها إلى أبوَيه.
           ({رَضِيًّا}) يعني(4) في قوله تعالى: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم:6] أي: (مَرْضِيًّا) أي: لك ولعبادك.
          ({عِتِيًّا}) يعني في قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم:8] أي: (عَصِيًّا) بالصاد، وقال الزمخشري: أي يبسًا في المفاصل والعظام، وقيل: صوابه بالسين يقال: عسى الشيخُ إذا انتهى سنه وكبر، وعلى التصويب جرى شيخنا، ({وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا}) ساقط مِن نسخة.
          ({ثَلَاثَ لَيَالٍ سَويًّا} [مريم:10]) أي: متتابعات. (وَيُقَالُ): أي: (صَحِيْحًا) أي: ما بك مِن خَرَس ولا بَكَم، وهذا أوجه؛ لأنه لم يقدر أن يتكلم مع الناس إلا بذكر الله.
          ({مِنَ المِحْرَابِ}) أي: مِن المصلَّى. {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا}[مريم:11] أي: صلوا ونزهوا. {فَأَوْحَى} [مريم:11]أي: (فَأَشَارَ)، ({خُذِ الكِتَابَ} [مريم:12]) هو التوراة، ({حَفِيًّا}) يعني في قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:47] أي: (لَطِيْفًا)، ({عَاقِرًا} [مريم:8]) معناه: (الذَّكَرُ وَالأُنْثَى سَوَاءٌ) أي: في التسمية، فيقال لكل منهما: عاقِر.


[1] في المطبوع: ((لأنه)).
[2] قوله: ((ما)) ليس في (ك).
[3] في (ع): ((لشواظ)).
[4] في المطبوع: ((أي)).