تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل}

          ░1م▒(بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالى:{وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]) أي: واذكر إذ قال ربك للملائكة ذلك.
          ({لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}) أي: في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } [الطارق:4] معناه: (إلا عَلَيْهَا حَافِظٌ) بتشديد (ما) وجعل (إِنْ) نافية، وبعضهم خفف (مَا) وجعل (إِنْ) مخففة مِن الثقيلة واسمها: محذوف و(مَا) زائدة فلا استثناء، وكل منهما قراءة متواترة.
          ({فِي كبَدٍ}) أي: في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] معناه: (فِي شِدَّةِ خَلْقٍ).
          (وَرِيَاشًا) الأَولى: {وَرِيشًا}؛ أي: في قوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف:26] معناه: (المَالُ، وَقَال غَيْرُهُ) أي: غير ابن عباس معناه: (مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ) كما نبه عليه بقوله: (الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ: وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ) وقيل: معناه الجَمال والهيئة(1)، وقيل: المعاش.
          ({ما تُمنونَ}) أي: في قوله تعالى: {أَفَرَءَيتم ما تُمنونَ} [الواقعة:58] معناه: (النُّطْفَةُ) أي: المنيُّ (فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ). (وَقَال مُجَاهِدٌ:{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } [الطارق:8]) معناه: (النُّطْفَةُ فِي الإِحْلِيلِ) في نسخة: <المَاءُ فِي الإِحْلِيلِ> أي: قادر على رد ذلك إلى(2) الإحليل.
          (كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهُوَ شَفْعٌ) أشار به إلى معنى قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات:49]. (السَّمَاءُ شَفْعٌ) أي: للأرض، كما أنَّ الحار شفع للبارد.
          ({فِي أَحْسَنِ تَقْويمٍ} [التين:4]) معناه: فِي (أَحْسَنِ خَلْقٍ) وقيل: في أحسن تعديل لشكله أو صورته(3).
           ({أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:5]) كناية عن الهرَم والضعف، فينقص(4) عملُ المؤمن الهرِمِ عن زمن الشباب ويكون له أجره(5) كما ذكره بالاستثناء المنقطع في قوله: (إلاَّ) أي: لكن (مَنْ آمَنَ) أي: وعمل صالحًا فله أجر غير مَمنون؛ أي: غير مقطوع(6).
           ({خُسْرٍ}) أي: في قوله تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } [العصر:2] معناه: (ضَلالٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى) مِن أهل الخسر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقوله: (إلاَّ مَنْ آمَنَ) أي: وعمل صالحًا.
          ({لَازِبٍ}) أي: في قوله تعالى: {إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات:11] معناه: (لازِمٌ).
          ({نُنْشِئَكُمْ}) يعني في قوله تعالى: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الواقعة:61] أي: (فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ).
          ({نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}) يعني في قوله تعالى: {ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة:30] أي: (نُعَظِّمُكَ). (وَقَال أَبُو العَالِيَةِ) هو رُفَيع بن مِهران الرِّيَاحي.
          ({فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:37] فَهُوَ) أي: معنى الكلمات.({رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]) ولا معنى للفاء في (فَهُوَ) وكأنه ذكرها في مقابلة ذكرها في (فَتَلَقَّى).
          ({فأزَلَّهُمَا}) أي: في قوله تعالى: {فَأزلَّهُمَا الشَّيطانُ عَنها} [البقرة:36] معناه: (فَاسْتَزَلَّهُمَا) أي: دعاهما إلى الزلَّة، وضمير (عَنْهَا) للجنة، وقيل: للشجرة؛ أي: بسببها.
          (و{يَتَسَنَّه}) أي: في قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:259] معناه: (يَتَغَيَّرْ).
          ({آسِنٍ}) أي: في قوله تعالى: {فِيهَا(7) أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15] معناه: (مُتَغَيِّرٌ(8))، (والـمَسْنُون) أي: في قوله تعالى: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر:26] معناه: (المُتَغَيِّرُ). ({حَمَأٍ}) أي: في الآية المذكورة: (جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهُوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ).
          ({يَخْصِفَانِ}) أي: في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ} [الأعراف:22] [طه:121] معناه: (أَخَذَا) أي: آدمُ وحوَّاء، (الخِصَافِ {مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ}، يُؤَلِّفَانِ الوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ) أي: يلزقان بعضه ببعض ليسترا به عورتهما، و(الخِصَافُ) جمع خَصَفة: وهي ما ينسج من الخُوص.
          ({سَوْآتِهِمَا}) أي: في قوله تعالى {وَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف:22] كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجِهِمَا).
          ({وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ})[البقرة:36] أي: في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف:24] معناه: (هَهُنَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)، وقيل إلى الموت (وَالحِينُ عِنْدَ العَرَبِ: مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ) هذا أحد الأقوال، وقيل: الحِين الأجَل، وقيل: الساعة، وقيل: ستة أشهر، وقيل: كل سنة، وقيل: الغَدوة والعشيَّة.
          ({قَبِيلُهُ}) أي: في قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} [الأعراف:27] معناه: (جِيلُهُ) أي: جماعته (الَّذِي هُوَ) / أي: الشيطان (مِنْهُمْ) وقيل: معناه الجنُّ والشياطين.


[1] في (ع) و(ك): ((الهيبة)).
[2] في المطبوع: ((في)).
[3] في المطبوع: ((وصورته)) وفي (د): ((وصوره)).
[4] في (ع) و(ك): ((فينتقص)).
[5] في (ك): ((أجر)).
[6] في المطبوع: ((منقطع)).
[7] قوله ((فيها)) ليس في المطبوع.
[8] في (ع): ((يتغير))، وفي المطبوع: ((لم يتغير)).