تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

{وإلى مدين أخاهم شعيبًا}

          ░34▒ (بَابُ: قَوْلِ الله تَعَالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [هود:84]) الآية). وفيها إضمار بيَّنه (1) مع تعليله / بقوله: (إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ) إلى آخره.
          ({وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا}) يعني في قوله تعالى: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود:92] أي: (لَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ)، وكسر الظاء مِن (ظِهْرِيًّا) مِن تغيرات النَّسَب كما تقول في الأمس إِمسِيٌّ بكسر الهمزة: مِن (ظَهَرْتَ) بفتح الهاء: نسيتَ وتركت، كما أشار إليه(2) بقوله: (وَيُقَالُ) إلى آخره.
          (قَالَ) أي: البخاريُّ: (الظِّهْرِيُّ) إلى آخره أشار به إلى أن الظِّهريَّ يقال أيضًا لمن يأخذ معه دابَّةً أو وعاءً يستظهر به؛ أي: يتقوى به، (مَكَانَتُهُمْ وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ) كذا وقع وإنما هو في قصة شُعَيْبٍ: {مَكَانَتِكُمْ} أي: في قوله: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [هود:93] فكان الأَوْلى أن يقول: مكانتِكم ومكانِكم واحد.
          ({يَغْنَوْا}) أي: في قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} معناه: (يَعِيشُوا) ويُقِيموا فيها، (تَأْسَ) المأخوذ مِن قوله تعالى: {فَكَيْفَ آسَى} [الأعراف:93] معناه: (تَحْزَنْ). (وَقَال الحَسَنُ) أي: البَصري. {إِنَّكَ لَأَنْتَ الحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:87] معناه: (يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ)، يعني أنهم عكسوا على سبيل الاستعارة التهكمية، إذ غرضهم أنت السفيه الغوي لا الحليم الرشيد.
          ({الأَيْكَةِ}) أي: في قراءة مَن قرأ به في قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ المُرْسَلِينَ} [الشعراء:176] (الأَيْكَةُ): هي منازل قوم شُعَيْبٍ، ({يَوْمِ الظُّلَّةِ}) أي في قوله تعالى: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء:189] معناه: (إِظْلالُ) أي: يوم إظلال (الغَمَامِ) أي: (العَذَابَ عَلَيْهِمْ)، روي أنه حبس عنهم الهواء وسلط عليهم الحر فأخذ بأنفاسهم، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية؛ فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردًا ونسيمًا فاجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا، وكان شُعَيْبٌ ◙ مبعوثًا أي: إلى أصحاب مَدْيَن وإلى أصحاب الأَيكَة، فأُهلكت مَديَنُ بصيحة جِبريل ◙ وأصحابُ الأيكة بعذاب يوم الظُّلَّة.


[1] زاد في (د): ((بقوله)).
[2] قوله ((إليه)) ليس في المطبوع.