تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب قصة يأجوج ومأجوج

          ░7▒ (بَابُ: قِصَّةِ / يَأجُوجَ وَمَأْجُوجَ) بالهمز ودونه فيهما، وهما ابنا يافِث بن نوحٍ ◙، وهما مِن ذرية آدمَ(1) بلا خلاف، لكن اختلفوا فقيل: هما مِن ولد يافث بن نوحٍ ◙ (2) كما مرَّ، وقيل: هما جيل مِن التُّرك، وقيل: يأجُوج مِن الترك ومأجُوج مِن الدَّيلَم، وقيل: مِن آدم لكن مِن غير حواء؛ لأنَّ آدم نام فاحتلم فامتزجت نطفته بالتراب فلما انتبه أسِف على ذلك الماء الذي خرج منه فخلق الله مِن ذلك الماء يأجوج ومأجوج.
          (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالى) بالجر عطف على قصة يأجوج.
          (يَا ذَا القَرْنَيْنِ) اسمه: عبدالله بن الضحَّاك بن مَعَدٍّ، وقيل: مُصعب بن عبدالله بن قنان بن مَنصور، وقيل: إسكَندرُ، وهو مؤمِن لا نبيٌّ، ولا الإسكَندرُ اليونانيُّ لأن ذاك مشرك، وسمي ذا القَرنين؛ لأنه لما دعا قومه إلى الإيمان ضربوه على قرنه الأيمن فمات ثم بُعث ثم دعاهم فضربوه على الأيسر فمات ثم بعث، أو لأنه بلغ قُطرَي الأرض المشرق والمغرب، أو لأنَّه ملك فارس والروم، أو كان ذا ضَفِيرتين مِن شعر، والعرب تسمي الخصلة مِن الشعر قَرنًا، أو لأنَّه كان لتاجه قَرنان، أو لأنه أعطي علمَي الظاهر والباطن، أو لغير ذلك.
          (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالى) بالجر عطف على قصة يأجوج أيضًا، وفي نسخة: <بَابٌ: قَوْلُ اللهِ تَعَالى> إلى آخره، وفي أخرى: <{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو} > أي: سأقص، ({عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا}[الكهف:83]) أي: خبرًا، ({إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ} [الكهف:84]) أي: بتسهيل السير فيها.
          ({مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}) أي: يحتاج إليه، ({سَبَبًا} [الكهف:84]) أي: طريقًا يوصله(3) إلى مراده، (إلى قوله: {آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ} [الكهف:96]) في نسخة: <إلى قوله: {سَبَبًا}> وساق في أخرى الآيات كلها.
           (وَاحِدُهَا) أي: واحد الزُّبَر: (زُبْرَةٌ) وهي أي: الزُّبَرُ: (القِطَعُ).
           ({حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف:96]) بضمتين وبفتحتين وبضمة وسكون وبفتحة وضمة، (يُقَالُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ) أي: (الجَبَلَيْنِ)، وعن غيره أي: الناحيتين مِن الجبلين، وهما متقاربان.
          (وَالسّـَُـدَّيْنِ) بضم السين وفتحها؛ أي: (الجَبَلَيْنِ) أيضًا فهما بمعنى الصَّدَفين، وقيل: ما كان مِن صنع الله فبالضم، وما كان مِن صنع الآدمي(4) فبالفتح.
          ({خَرْجًا}) يعني في قوله تعالى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} [الكهف:94] أي: (أَجْرًا) في رواية: ((أَجْرًا عَظِيْمًا)).
          ({قَال انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَال آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:96]) معناه: (أَصْبُبْ عَلَيْهِ رَِصَاصًا) بكسر الراء وفتحها، (وَيُقَالُ) معنى القِطر: (الحَدِيدُ، وَيُقَالُ) معناه: (الصُّـِفْرُ) بضم الصاد وكسرها، (وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ) معناه: (النَُِّحَاسُ) بتثليث النون.
          (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) معنى يظهروه: (يَعْلُوه)، (اسْتَطَاعَ) الذي هو أصلُ (اسْطَاعَ) وزنه (اسْتَفْعَلَ)؛ لأنه (مِنْ طُعْتُ لَهُ) بضم الطاء وسكون العين فهو واوي لأنه مِن الطَّوع، يقال: طاع له وطُعت له مثل: قال له وقُلت له، ولمَّا نقل طاع إلى باب الاستفعال صار استطاع بوزن استفعل، ثم حذفت التاء تخفيفًا بعد نقل حركتها إلى الهمزة فصار أسطاعَ بفتح الهمزة (فَلِذَلِكَ) يعني: فلأجل حذف التاء ونقل حركتها إلى الهمزة (5)(قِيْلَ: أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ) بفتح أولهما، لكن بعضهم قال في المستقبل: بضم الياء، وهو غريب.
          ({وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف:97]) أي: لم يتمكنوا مِن نقب السد مِن أسفله؛ لشدته وصلابته، وأشار بذلك إلى أن لفظ: (اسْتَطَاعُوا) باق على أصله، وأن التصرف السابق إنما كان في قوله: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف:97]. ({قَال هَذَا} [الكهف:98]) أي: السدُّ.
          ({جَعَلَهُ دَكَّاءَ}[الكهف:98]) أي: (الزَقَهُ بِالأَرْضِ)؛ أي: سوَّاه بها، وناقة دكَّاءُ؛ أي: (لَا سَنَامَ لَهَا) بل ظهرها منبسط مستوٍ.
          (وَالدَّكْدَاكُ مِنَ الأَرْضِ) أي: المستوي بها، (مِثْلُهُ) أي: مثل ما ذكر في دكَّاء مِن أن المراد به(6): الانبساط والاستواء.
          ({وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ} [الكهف:99]) إلى آخره؛ أي: وتركنا بعض يأجوجَ ومأجوجَ يوم خروجهم يضطرب ويختلط بعضهم في بعض، وقيل: تركنا بعض الخلق يوم القيامة يضطرب ويختلط بعضهم في بعض وهم حيارى من شدة يوم القيامة.
          ({حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء:96]) في نسخة: قبل هذا: <بَابُ>.
          ({وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } [الأنبياء:96]) أي: يسرعون مع تقارب الخُطا.
          (قَال قَتَادَةُ: حَدَبٌ) أي: (أَكَمَةٌ) هو قريب مِن قول غيره معناه: نَشز؛ أي: مرتفع.
          (رَأَيْتُ السَّدَّ) / بضم التاء، (مِثْلَ البُرْدِ المُحَبَّرِ) بفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة؛ أي: المخطط بخط أبيض وخط أسود أو أحمر، (قَالَ) أي: النَّبي صلعم له.
          (رَأَيْتَهُ) بفتح التاء، قاله تصديقًا له.


[1] زاد في المطبوع: ((◙)).
[2] قوله: ((وهما مِن ذرية آدم بلا... بن نوح ◙)) ليس في (ك).
[3] في (ك): ((توصله)).
[4] في المطبوع: ((الآدميين)).
[5] قوله: ((فصار أسطاعَ بفتح الهمزة (فَلِذَلِكَ) يعني: فلأجل حذف التاء ونقل حركتها إلى الهمزة)) ليس في (د).
[6] قوله: ((به)) ليس في (ك) والمطبوع.