شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: رَفْعِ مَعْرِفَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِتَلاحِي

          ░4▒ باب: رَفْعِ مَعْرِفَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِتَلاحِي(1) النَّاسِ.
          فيه: عُبَادَةُ: (خَرَجَ النَّبيُّ صلعم لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: خَرَجْتُ لأخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ(2)، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا في التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ). [خ¦2023]
          وقوله(3): (فرُفِعَتْ) يعني رُفع علمها عنه بسبب تلاحي الرَّجلين، فحُرموا بركة(4) ليلة القدر، والتَّلاحي: التَّجادل والتَّخاصم، يُقال: تلاحى فلان وفلان تلاحيًا، ولاحى فلان فلانًا ملاحاة ولحاءً بالمدِّ، وهذا يدلُّ أنَّ الملاحاة والخلاف يصرف فضائل كثير من(5) الدِّين، ويحرم أجرًا عظيمًا؛ لأنَّ الله تعالى لم يرد التَّفرق من عباده، وإنَّما أراد الاعتصام بحبله، وجعل الرَّحمة مقرونةً بالاعتصام بالجماعة لقوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ}[هود:118-119]، ورُوي عن الرَّسول(6) ◙ وجه آخر في رفع معرفتها، روى ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله صلعم قال: ((أُرِيتُ(7) لَيلةَ القدرِ، ثمَّ أيقظَنِي بعضُ أَهلِي فنُسِّيتُها، فالتَمِسوهَا في العَشرِ الغَوابِرِ(8))). قال الطَّحاويُّ: وهذا خلاف حديث عُبَاْدَة، إلَّا أنَّه قد يجوز أن يكون ذلك كان(9) في عامين، فرأى رسول الله صلعم في أحدهما ما ذكره عنه أبو هريرة قبل كون اللَّيلة الَّتي هي ليلة القدر، وذلك لا ينفي أن يكون فيما بعد ذلك العام فيما قبل ذلك من الشَّهر، ويكون ما ذكره عُبَاْدَة على أنَّ رسول الله وقف على ليلة القدر بعينها، ثمَّ خرج ليخبرهم بها فرفعت، ثمَّ أمر بالتماسها فيما بعد ذلك العام(10) في التَّاسعة والسَّابعة والخامسة، وذلك كلُّه على التَّحري لا على اليقين، فدلَّ ذلك على انتقالها.
          وقوله: (عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيرًا لَكُم) يريد أنَّ البحث عنها والطَّلب لها بكثيرٍ من العمل هو خيرٌ من هذه الجهة، و((الغَوابِر)): البواقي(11) في آخر الشَّهر، ومنه قوله تعالى: {إِلاَّ عَجُوزًا في الْغَابِرِينَ}[الشعراء:171]يعني الباقين الَّذين أتت عليهم الأزمنة، وقد تجعله العرب بمعنى الماضي أحيانًا، وهو من الأضداد، عن الطَّبريِّ.


[1] في (م): ((لتلاحي)).
[2] قوله: ((مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: خَرَجْتُ لأخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ)) ليس في (م).
[3] في (م): ((قوله)).
[4] في (م): ((فحرموا به بركته)).
[5] في (م): ((في)).
[6] في (م): ((وقد روي عن النبي)).
[7] في (م): ((رأيت)).
[8] في (م): ((الغرار)).
[9] قوله: ((كان)) ليس في (ص).
[10] قوله: ((فيما قبل ذلك من الشهر، ويكون.... بعد ذلك العام)) ليس في (م).
[11] في (م): ((الباقي)).