شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل ليلة القدر

          ░1▒ باب: فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
          قَالَ تعالى(1): {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:1]إلى آخر السُّورة.
          وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ في الْقُرْآنِ: {وَمَا أَدْرَاكَ} فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ» فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) الحديث(2). [خ¦2014]
          قال ابن المنذر: معنى قوله: (إِيْمَانًا) يعني تصديقًا أنَّ الله فرض عليه الصَّوم، واحتسابًا لثواب الله(3)، وقد تقدَّم هذا المعنى [خ¦2008].
          وقوله: (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) قول(4) عام يُرجى لمن فعل ما ذكره(5) في الحديث أن يغفر(6) له جميع الذُّنوب صغيرها وكبيرها لأنَّه لم يستثن ذنبًا دون ذنبٍ، وفي الخبر أنَّ القيام في ليلة القدر أرجى منه في غيرها من اللَّيالي.
          وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ} روى سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاسٍ قال: نزل القرآن جملةً واحدةً في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السَّماء الدُّنيا، فجُعل في بيت العزَّة، ثمَّ نزل على النَّبيِّ صلعم في عشرين سنة. وقال ابن عبَّاسٍ أيضًا: أنزل الله القرآن جملةً واحدةً في ليلة القدر إلى السَّماء الدُّنيا، فكان بمواقع(7) النُّجوم، فكان الله ينزله على رسوله بعضه في إثر بعض، فقالوا: {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}[الفرقان:32].
          وذكر ابن وهبٍ عن مسلمة بن عليٍّ عن عروة قال: ((ذَكَرَ رَسُولُ الله صلعم أَربَعَةً مِنْ بَنِي إِسرَائِيلَ فَقَالَ: عَبدُوا اللهَ ولم(8) يَعصُوهُ طَرفَةَ عَينٍ، فَذكَر أيُّوبَ وَزَكرِيَّا وحَزقِيلَ ويُوشَع بنَ نونٍ فعجبَ أصحابُ النَّبيِّ صلعم مِنْ ذلكَ، فَأتاهُ جبريلُ فقالَ: يا محمَّدُ، عَجِبتْ أمَّتكَ مِنْ عبادةِ هؤلاءِ النَّفر ثمانينَ سنةً لم يعصوا اللهَ طرفةَ عينٍ، فقد(9) أنزلَ اللهُ عليكَ خيرًا مِنْ ذلكَ، ثمَّ قال(10): {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ} هذا أفضلُ ممَّا عجبتَ منهُ أنتَ وأمَّتكَ، فَسُرَّ بذلك رسولُ اللهِ صلعم والنَّاسُ معَهُ)).
          قال مالك: وبلغني عن سعيد بن المسيِّب أنَّه كان يقول: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ بحظِّه منها، وقال ابن عبَّاس: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:4]قال: يُكتب في أمِّ الكتاب في ليلة القدر ما يكون من السَّنة إلى السَّنة، وقال مجاهد: ليلة القدر ليلة(11) الحكم، وقال غيره: كأنَّه تقدَّر فيها الأشياء. وقال قَتادة: {سَلاَمٌ هِيَ} قال: خيرٌ هي {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر:5].


[1] في (م): ((القد، وقوله)).
[2] في (م): ((ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)). بدل قوله: ((الحديث)).
[3] زاد في (م): ((عليه)).
[4] في (ز) و(ص): ((قبول)) والمثبت من (م).
[5] قوله: ((ذكره)) ليس في (م).
[6] في (ز) و(ص): ((يغفرها)) والمثبت من (م).
[7] في (م): ((بموقع)).
[8] في (م): ((لم)).
[9] في (ص): ((قد)).
[10] قوله: ((ثم قال)) ليس في (م).
[11] قوله: ((ليلة)) ليس في (م).