شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب يحرس بعضهم بعضًا في صلاة الخوف

          ░3▒ باب: يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي صَلاةِ الْخَوْفِ.
          فيه: ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: (قَامَ النَّبِيُّ صلعم وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ(1) نَاسٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ للثَّانِيَةِ(2)، فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا(3)، يحرسُوا(4) إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأخْرَى، فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاةٍ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا). [خ¦944]
          قال المؤلِّف(5): حديث ابن عبَّاسٍ هذا(6) إذا كان العدوُّ في القبلة من المسلمين، فإنَّه يجعل النَّاس صفين خلفه، فيركع بالصَّف الَّذي يليه ويسجد معه، والصَّف الثَّاني قائمون يحرسون، فإذا قام من سجوده إلى الرَّكعة الثَّانية تقدَّم الصَّف الثَّاني وتأخَّر الأوَّلون(7)، فركع النَّبيُّ صلعم بهم وسجد، والصَّف الثَّاني يحرسونهم، وهم كلُّهم / في صلاة، وقد روى هذا الحديث سفيان، عن أبي بكر بن أبي(8) الجهم، عن عبيد الله عن ابن عبَّاسٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى بهم صَلاةَ الخوفِ بذي قَرَد، والمشرِكونَ بَينَهُ وبَينَ القِبلَةِ))، وقد رُوي نحوه عن أبي(9) عيَّاش الزُّرَقيِّ، وجابرٍ بن عبد الله، عن النَّبيِّ صلعم وبه قال ابن عبَّاسٍ: إذا كان العدوُّ في القبلة أن يصلِّي على هذه الصِّفة، وهو مذهب ابن أبي ليلى(10)، وحكى ابن القصَّار عن الشَّافعيِّ نحوه.
          وقال الطَّحاويُّ: ذهب أبو يوسف إلى أنَّ العدوَّ إذا كان(11) في القبلة فالصَّلاة هكذا، وإن كانوا في غير القبلة، فالصَّلاة كما روى ابن عمر وغيره، قال: وبهذا تتَّفق الأحاديث، قال: وليس هذا بخلاف(12) للتَّنزيل(13)؛ لأنَّه قد يجوز أن يكون قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ}[النساء:102]، إذا كان العدوُّ في غير القبلة، ثمَّ أُوحي(14) إليه بعد ذلك كيف حكم الصَّلاة إذا كانوا في القبلة(15)، ففعل الفعلين جميعًا كما جاء الخبران(16).
          وترك مالكٌ وأبو حنيفة العمل بهذا الحديث لمخالفته لكتاب الله ╡ وهو قوله(17): {وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ}[النساء:102]، والقرآن يدلُّ على ما جاءت به الرِّوايات في صلاة الخوف عن ابن عمر وغيره، من دخول الطَّائفة الثَّانية في الرَّكعة الثَّانية ولم يكونوا صلَّوا قبل ذلك.
          وقال أشهب وسَحْنون: إذا(18) كان العدوُّ في القبلة(19) لا أحبُّ أن يصلِّي بالجيش أجمع؛ لأنَّه يتعرَّض أن يفتنه(20) العدوُّ ويشغلوه(21)، ويُصلِّي بطائفتين سنَّة صلاة الخوف.


[1] في (م) و (ق): ((وركع)) لم يتكرر.
[2] في (ق) و (م) و (ي) و(ص): ((الثانية)).
[3] في قوله: ((فَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأخْرَى، فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا)) ليس في (ق).
[4] في (ي) و(ص): ((فحرسوا)). في (م): ((وحرسوا)).
[5] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م) و (ق).
[6] زاد في (ق): ((هو)).
[7] قوله: ((فيركع بالصف الذي يليه... وتأخر الأولون)) ليس في (ق). في (م): ((الأول)).
[8] قوله: ((أبي)) زيادة من (ق) و(م)، وليست في (ص).
[9] في (ق) و(ص): ((وقد روى نحوه ابن)). في (م): ((وقد روى نحوه أبو)).
[10] في (م) و (ق): ((أن يصلي بهذه [في (ق): ((هذه)).] الصفة وعن ابن أبي ليلى مثله)).
[11] في (م): ((كانوا)).
[12] في (ي) و(ص): ((الخلاف)).
[13] في (م): ((التنزيل)).
[14] في (م): ((أوحى الله تعالى)).
[15] قوله: ((ثم أُوحي إليه بعد ذلك كيف حكم الصلاة إذا كانوا في القبلة)) ليس في (ق).
[16] في (ق): ((الخبر)).
[17] في (م) و (ق): ((لمخالفته قوله تعالى)).
[18] في (م): ((وإن)).
[19] قوله: ((إذا كان العدوُّ في القبلة)) ليس في (ص).
[20] في (م): ((يقتله)).
[21] في (م): ((أو يشغلوه)).