شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صلاة الخوف رجالًا وركبانًا

          ░2▒ باب: صَلاةِ الْخَوْفِ رِجَالا وَرُكْبَانًا.
          فيه: نافعٌ، عن ابْنِ عُمَرَ، نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا، وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا). [خ¦943]
          أمَّا صلاة الخوف رجالًا(1) وركبانًا فلا تكون إلَّا إذا اشتدَّ الخوف واختلطوا في القتال، وهذه الصَّلاة تُسمَّى صلاة المسايفة، فتصلَّى(2) إيماءً وكيف تُمُكِّن، وممَّن قال بذلك ابن عمر، ذكره عنه مالكٌ في «الموطَّأ»، إن كان خوفًا شديدًا صلَّوا(3) قيامًا على أقدامهم أو(4) ركبانًا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، وهو قول مجاهدٍ وطاوسٍ وإبراهيم والحسن والزُّهريِّ وطائفةٍ من التَّابعين، روى ابن جُريجٍ عن مجاهدٍ قال: إذا اختلطوا فإنَّما هو الذِّكر والإشارة بالرَّأس. فمذهب(5) مجاهدٍ أنَّه يجزئه الإيماء عند شدَّة القتال كمذهب ابن عمر، وهو مذهب(6) مالكٍ والثوريِّ والشَّافعيِّ.
          وقول البخاريِّ: (وَزَادَ ابنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: وإنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ(7) فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا) فإنَّما(8) أراد أنَّ ابن عمر رواه عن النَّبيِّ صلعم، وليس من رأيه، وإنَّما هو(9) مسندٌ(10)، وكذلك قال مالكٌ. قال نافعٌ: ولا أرى عبد الله ذكر(11) ذلك إلَّا عن النَّبيِّ صلعم. وقول(12) الشَّافعيِّ في ذلك: لا بأس أن يضرب في الصَّلاة الضَّربة الخفيفة ويطعن، وإن تابع الضَّرب أو الطَّعن(13) أو عمل عملًا يطول بطلت صلاته.
          قال(14) الطَّحاويُّ: وذهب قومٌ إلى أنَّ الرَّاكب لا يصلَّي الفريضة على دابَّته، وإن كان في حال لا يمكنه فيها النزول، قال(15): وذهب آخرون إلى أنَّ الرَّاكب إن كان يقاتل فلا يصلَّي، وإن كان راكبًا لا يمكنه النُّزول ولا يقاتل صلَّى. قالوا: وقد يجوز أن يكون النَّبيِّ صلعم يوم الخندق لم يصلِّ؛ لأنَّ القتال عملٌ، والصَّلاة لا يكون فيها عملٌ، وذكر الطَّحاويُّ هذين القولين، وردَّ القول الأوَّل بأنَّ النَّبيَّ صلعم لم يكن صلَّى يوم الخندق؛ لأنَّ صلاة الخوف لم تكن نزلت حينئذٍ، قال: وروى ابن وهبٍ عن ابن أبي ذئبٍ عن سعيدٍ المقبريِّ عن عبد الرَّحمن بن أبي(16) سعيدٍ الخدريِّ عن أبيه قال: ((صلَّى النَّبيُّ صلعم الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ يومَ الخندقِ بعدَ المغربِ بهويٍّ مِنَ اللَّيلِ كما كان يصلِّيها في وقتِها، وذلك قبلَ أن يُنزلَ اللهُ عليهِ في صلاةِ الخوفِ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}[البقرة:239])).
          قال الطَّحاويُّ: وأخبرني(17) أبو سعيدٍ أنَّ تركهم الصَّلاة(18) يومئذٍ ركبانًا، إنَّما كان قبل أن يُباح(19) لهم ذلك ثمَّ أُبيح(20) بهذه الآية، فثبت بذلك أنَّ الرَّجل إذا كان في الخوف(21) لا يمكنه النُّزول عن دابَّته أنَّ له أن يصلِّي عليها إيماءً، وكذلك لو أنَّ رجلًا كان على الأرض خاف(22) أن يفترسه سبعٌ أو يضربه رجلٌ بسيفٍ فله أن يصلِّي قاعدًا إن كان يخاف ذلك في القيام، ويومئ إيماءً، وذلك(23) كلُّه قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمَّدٍ.
          وقال(24) ابن المنذر: وكلُّ(25) ما فعله المصلِّي في حال شدَّة الخوف ممَّا لا يقدر على غيره فالصَّلاة مجزئة عنه(26) قياسًا على ما وُضع عنه من القيام والرُّكوع والسجود لعلَّة ما هو فيه من مطاردة العدوِّ، وهذا أشبه بظاهر الكتاب والسُّنَّة مع موافقته للنَّظر. وروى عليُّ بن زيادٍ عن مالكٍ، فيمن خاف أن ينزل من(27) دابَّته من لصوصٍ أو سباعٍ، فإنَّه يصلِّي عليها الفريضة حيث توجَّهت به ويومئ، وقاله أشهب.


[1] في (ص): ((ركابًا)).
[2] في (م) و(ص): ((فيصلي)).
[3] زاد في (م) و (ق): ((رجالًا)).
[4] في (ق): ((و)).
[5] في (ق): ((فقد ذهب)).
[6] في (م) و (ق): ((قول)).
[7] قوله: ((من ذلك)) ليس في (ق) و (م).
[8] في (م) و (ق): ((فإنه)).
[9] زاد في (م) و (ق): ((حديث)).
[10] في (ص) لعلَّها: ((مستند)).
[11] في (م): ((قال)).
[12] في (م): ((وهو قول)).
[13] في (ق) و (م) و(ص): ((الطعن أو الضرب)).
[14] في (م) و (ق): ((وقال)).
[15] قوله: ((قال)) ليس في (م) و (ق).
[16] قوله: ((أبي)) ليس في (ص).
[17] في (ق): ((وأخبر)).
[18] في (م) و (ق): ((للصلاة)).
[19] في (ص): ((ينزل)).
[20] قوله: ((لهم)) ليس في (م).
[21] في (م): ((الحرب)). في (ق): ((إنما كان في الحرب)).
[22] في (م) و (ق): ((يخاف إن سجد)).
[23] في (م) و (ق): ((وهذا)).
[24] في (م): ((قال)).
[25] في (م): ((كل)).
[26] قوله: ((عنه)) ليس في (م) و (ق).
[27] في (ق) و(ص): ((عن)).