شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا

          ░17▒ باب: لَمْ يُسْقَ الْمُرْتَدُّونَ وَالْمُحَارِبُونَ حَتَّى مَاتُوا
          فيه: أَنَسٌ: (قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ على النَّبيِّ صلعم كَانُوا في الصُّفَّةِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْغِنَا رِسْلا، قَالَ: مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللهِ صلعم، فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا فقَتَلُوا(1) الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَتَى النَّبيَّ صلعم الصَّرِيخُ فَبَعَثَ الطَّلَبَ في آثَارِهِمْ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ(2)، فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا في الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَمَا سُقُوا(3) حَتَّى مَاتُوا).
          قَالَ أَبُو قِلابَةَ(4): سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وكَفرُوا. وروى: وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ. [خ¦6804]
          وترجم له باب: سمر النبيِّ صلعم أَعْيَنَ المحاربين.
          أجمع العلماء فيمن وجب عليه حدٌّ، سواء كان ذلك الحدُّ يبلغ النفس أم لا أنَّه لا يمنع شرب الماء لئلَّا يجتمع عليه عذابان. وقد أمر النبيُّ صلعم القاتل بإحسان القتلة، وأمر ذابح الحيوان بحدِّ الشفرة والإجهاز عليه.
          ومعنى ترك سقي العرنيِّين حتَّى ماتوا كمعنى ترك حسمهم.
          قال المُهَلَّب: ويحتمل أن يكون ترك سقيهم _والله أعلم_ عقوبةً لما جازوا سقيَ النبيِّ صلعم لهم اللبن حتَّى انتعشوا بالارتداد والحرابة والقتل، فأراد أن يعاقبهم على كفر السقي بالإعطاش فكانت العقوبة مطابقةً للذنب.
          وفيه وجهٌ آخر قريبٌ من هذا، روى ابن وهبٍ عن معاوية بن صالحٍ ويحيى بن أيُّوب، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيِّب، وذكر هذا الحديث: فعمدوا إلى الراعي غلامٍ لرسول الله صلعم فقتلوه واستاقوا اللقاح، فزعم أنَّ رسول الله صلعم قال: ((عطَّش الله من عطَّش آل محمَّدٍ الليلة))، فكان ترك سقيهم إجابةً لدعوته صلعم.
          وسَمَل وسَمَر لغتان بمعنًى واحدٍ.
          فإن قيل: قال أنسٌ في هذا(5) بإبل النبيِّ صلعم، وقال في أوَّل كتاب المحاربين بإبل الصدقة، فما وجه ذلك؟
          قيل: وجهه _والله أعلم_أنَّ النبيَّ صلعم كانت له إبلٌ من نصيبه من المغنم، وكان يشرب لبنها، وكانت ترعى مع إبل الصدقة فأخبر مرَّةً في هذا الحديث عن إبله، وأخبر / مرَّةً عن إبل الصدقة، فإنَّها كانت لا تخفى لكثرتها من أجل رعيها معها ومشاركتها في المسرح والمرتع.


[1] في (ص): ((وقتلوا)).
[2] قوله: ((بهم)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((أسقوا)).
[4] في (ص): ((أبو قتادة)).
[5] زاد في (ص):((الحديث)).