شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على المدعى

          ░6▒ بَابٌ إِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالمُرْتَهِنُ وغيرهما
          فَالبَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي وَاليَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ.
          فيهِ ابنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَضَى أَنَّ اليَمِيْنَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ). [خ¦2514]
          وفيهِ عَبْدُ اللهِ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ(1) فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، وأَنْزَلَ(2) اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية[آل عِمْرَان:77]، ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بنَ قَيْسٍ قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ في بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلعم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، قُلْتُ: إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ) الحديثَ، فأنزل الله الآية. [خ¦2515] [خ¦2516]
          إذا اختلفَ الرَّاهنُ والمرتهنُ في مقدارِ الدَّينِ والرَّهن قائمٌ، فقال الرَّاهن: رَهَنْتُكَ بعشرةِ دنانيرَ، وقالَ المرتهن: بعشرين دينارًا، فقال أبو حنيفةَ وأصحابُه والثَّوْرِيُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ وأبو ثَوْرٍ: القولُ قولُ الرَّاهنِ مع يمينه، وقالوا: المرتهن مُدَّعٍ، فإذا لم تكن له بيِّنةٌ حلفَ الرَّاهنُ؛ لأنَّه مُدَّعًى عليه على ظاهر السُّنَّةِ في الدَّعوى لو لم يكن ثَمَّ رهنٌ، ولا يلزم الرَّاهن مِنَ الدَّين إلَّا ما أقَّر به، أو قامت عليه بيِّنةٌ.
          وفيهِ قولٌ ثانٍ: وهو أنَّ القولَ قولُ المرتهن، ما لم يجاوز ثمنه قيمة رهنه(3)، رُوِيَ هذا عَنِ الحَسَنِ وقَتَادَةَ، ونحوه قال مالكٌ، قال: القول قول المرتهن مع يمينه ما بينه وبينَ قيمةِ الرَّهنِ؛ لأنَّ الرَّهنَ كشاهدٍ للمرتهنِ إذا أجازَهُ.
          وإنِ ادَّعى أكثر مِنْ قيمة الرَّهن لم يصدَّق، وكان(4) القولُ قول الرَّاهنِ معَ يمينِه، ويبرَأُ مِنَ الزِّيادةِ على قيمتِه ويؤدِّي قيمته، وحجَّته أنَّ الرَّاهن مُدَّعٍ لاستحقاقِ أخذِ الرَّهنِ وإخراجه عن يدِ المرتهن، والمرتهن منكرٌ لن(5) يكونَ الرَّاهن مستحقًّا لذلك بما ذكرَه، فاليمينُ على المرتهنِ؛ لأنَّ الرَّاهنَ معترفٌ بكونه رهنًا في يد المرتهن، والرَّهن وثيقةٌ بالحقِّ وشاهدٌ له، كالشَّهادةِ أنَّها وثيقةٌ بالحقِّ ومصدَّقة له فأشبه اليد، فصار القول قول مَنْ في يدِهِ الرَّهن إلى مقدار قيمته.
          وإنَّما كانَ القولُ قولَ الرَّاهنِ فيما زادَ على قيمةِ الرَّهنِ؛ لأنَّ المرتهن مُدَّعٍ جملة ما يذكره(6) الحقُّ، فعليه أنْ يحلفَ على جملة ذلك، ثُمَّ يكون له مِمَّا حلف عليه قدر ما شهِدَ(7) الرَّهن له مِنْ قيمته، فيكون كالشَّاهدِ واليمينِ؛ لأنَّ المرتهن لا شهادةَ له فيما يذكره مِمَّا(8) زادَ على قيمةِ الرَّهن، فصار مُدَّعِيًا لذلك، والرَّاهن مُدَّعًى عليه، فكانَ حكمَ ذلك حُكْم المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه، إمَّا(9) بيِّنةُ المدِّعِي أو يمين المُدَّعَى عليه.


[1] في المطبوع: ((فيها)).
[2] في المطبوع: ((فأنزل)).
[3] في المطبوع: ((الرَّهن)).
[4] في المطبوع: ((لم يصدق في الزِّيادة ويكون)).
[5] في المطبوع: ((أن)).
[6] في المطبوع: ((مَنْ)).
[7] في المطبوع: ((يشهد)).
[8] في المطبوع: ((فيما)).
[9] في المطبوع: ((فإمَّا)).