شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب رهن السلاح

          ░3▒ بَابُ رَهْنِ السِّلاَحِ
          فيهِ جَابِرٌ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَنْ لِكَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ(1) آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ قَالَ(2) مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا، فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، فَقَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا؟ وَأَنْتَ أَجْمَلُ العَرَبِ! قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا، فَيُسَبُّ(3) أَحَدُهُمْ(4)؟ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ(5)، هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ _يَعْنِي السِّلاَحَ_ فَوَعَدَهُ(6) أَنْ يَأْتِيَهُ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ صلعم فَأَخْبَرُوهُ). [خ¦2510]
          قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ: ((كَانَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ مِنْ طَيٍّ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّضِيْرِ، وَكَانَ يُعَادِي النَّبِيَّ(7) صلعم وَيُحَرِّضُ المُشْرِكِيْنَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أُصِيْبَ المُشْرِكُونَ بِبَدْرٍ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُحَرِّضُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صلعم، ثُمَّ رَجَعَ(8) إِلَى المَدِيْنَةِ يُشَبِّبُ بِنِسَاءِ المُسْلِمِيْنَ حَتَّى آذَاهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم عِنْدَ ذَلِكَ: مَنْ لِكَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قد آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ)).
          قالَ المُهَلَّبُ(9): وَلَمْ تَكُن بَنُو النَّضِيْرِ ذِمَّةً لِرَسُوْلِ اللهِ صلعم، فَلَمْ يَكُنْ كَعْبُ بنُ الأَشْرَفِ فِي عَهْدٍ لِرَسُولِ اللهِ صلعم، قَالَ: وَالدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ إِعْلَانُ النَّبِيِّ صلعم بَأَنَّهُ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ عَلَى رؤوسِ النَّاسِ، وكيف يكون فِي عهدِ مَنْ يشكو مِنْهُ الأَذَى، بَلْ كانَ مُمْتَنِعًا بِقَوْمِهِ(10) فِي حِصْنِهِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يَقْتَنِعُونَ(11) مِنْهُم بِالقُعُودِ عَنْ حَرْبِهِم وَالتَّجِيِيشَ عَلَيْهِم(12)، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَيْنَهُم مُسَالَمَةٌ وموافقةٌ للجيرةِ. فَكَانَ النَّبِيُّ صلعم يُمْسِكُ عَنْهُم لِإِمْسَاكِهِم عَنْهُ مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، وَلَوْ كَانَ لِكَعْبٍ عَهْدٌ لَنَقَضَهُ بِالأَذَى، وَلَوَجَبَ حَرْبُهُ، وَلَكَانَ بِقَوْلِهِ ◙: (مَنْ لِكَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ)، نَابِذًا إِلَيهِ عَهْدَهُ، وَمُسْقِطًا بِذَلِكَ ذِمَّتَهُ، وَلَو(13) كَانَ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ وَالذِّمَّةِ لَوَجَبَ(14) حَرْبُه واَغْتِيَالُهُ بِكُلِّ وَجْهٍ.
          فَمَنْ لَامَ النَّبيَّ صلعم عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ كَذَّبَ اللهَ ╡ فِي قولِهِ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}[الذَّاريات:54]، وَوَصَفَ رَسُولَهُ(15) صلعم بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِمَّا نزَّهَهُ اللهُ ╡ عَنْهُ، وَاللهُ وَلِيُّ الانْتِقَامِ مِنْهُ.
          وقد تقدَّم هذا المعنى في باب الفتك في الحرب في كتاب الجهاد [خ¦3031] [خ¦3032]، ولم يجزْ أنْ يرهن عند كَعْبِ(16) بنِ الأَشْرَفِ سلاحٌ ولا شيءٌ مِمَّا يتقوَّى به على أذى المسلمين، وليس قولهم له(17): (نَرهَنُكَ اللَّأْمَة)، مِمَّا يدلُّ على جواز رهن الحربيِّين السِّلاح، وإنَّما / كَان ذلك مِنْ قولهم(18) الكلام المباحة في الحرب وغيره.


[1] قوله: ((قد)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((فقال)).
[3] في (ز) صورتها: ((فسبَّ)).
[4] في (ص): ((أحدكم)).
[5] قوله: ((أو وسقين)) ليس في (ص).
[6] في (ز): ((فدعاه)).
[7] في (ز): ((رسول الله)).
[8] في (ص): ((يرجع)).
[9] قوله: ((قال المهلَّب)) ليس في (ص).
[10] في (ز): ((وقومه)).
[11] في (ز): ((يقنعون)).
[12] قوله: ((والتَّجييش عليهم)) ليس في (ص).
[13] في (ز): ((لو)).
[14] في (ز): ((ولوجب)).
[15] في (ز): ((رسول الله)).
[16] قوله: ((كعب)) ليس في (ز).
[17] قوله: ((له)) ليس في (ص).
[18] في المطبوع: ((معاريض)).