عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول النبي للحسن بن علي: ابنى هذا سيد
  
              

          ░9▒ (ص) باب قَوْلُ النَّبِيِّ صلعم لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ☻: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ».
          (ش) أي: هذا بابٌ في ذكرِ قول النَّبِيِّ صلعم للحسن بن عليِّ بن أبي طالبٍ، ☻... إلى آخره.
          قوله: (ابْنِي هَذَا) جملةٌ اسْميَّة؛ لأنَّ قوله: (ابني) خبرٌ عن قوله: (هذا).
          قوله: (سَيِّدٌ) خبر بعد خبرٍ، و(السيِّد) الرئيس، قال كُراع: وجمعه «سادة»، قيل: «سادة» جمع «سائد»، وهو مِن السُّودَد، وهو الشرف، وقال ابن سِيدَه: وقد يُهمَز «السُّودَد» وتُضَمُّ، وقد سادهم سُودًا وسُودَدًا وسيادة وسَيدودةً، واستادهم؛ كـ«سادهم»، وسَوَّده هو، وذكر الزُّبَيديُّ في كتابه «طبقات النَّحْويِّين» أنَّ أبا مُحَمَّدٍ الأعرابيَّ قال لإبراهيم بن الحَجَّاج الثائر بإشبيلية: تالله أيُّها الأمير؛ ما سيَّدَتْكَ العرب إلَّا بحقِّك، يقولها بالياء، فلمَّا أُنكِر عليه قال: السواد السُّخام، وأصرَّ على أنَّ الصواب معه، ومَالَأَهُ على ذلك الأمير لعظم منزلته في العلم، وقيل: اشتقاق السَّيِّد مِنَ السواد؛ أي: الذي يلي السواد العظيم مِنَ الناس.
          قوله: (وَلَعَلَّ اللهَ) استعمل (لعلَّ) استعمال (عسى) لاشتراكهما في الرجاء.
          قوله: (فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ) ووصفهما بـ(العظيمتين) لأنَّ المسلمين كانوا يومئذٍ فرقتين؛ فرقة مع الحسن ☺ ، وفرقة مع معاوية، وهذا معجزةٌ عظيمةٌ مِنَ النَّبِيِّ صلعم ، حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر.
          وأصل القضيَّة أنَّ عليَّ بن أبي طالبٍ لمَّا ضربه عبد الرَّحْمَن بن مُلجِم المراديُّ يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت مِن رمضان [مِن سنة أربعين مِن الهجرة، قاله ابن الجوزيِّ، وقال الهيثمُ: ضَرَبه في ليلة سبعٍ وعشرين مِن رمضان]، وقال أبو اليقظان: في الليلة السابعة عشرةَ مِن رمضان، وقال الحسن: كانت ليلة القدر، الليلة التي عرج فيها بعيسى ◙ ، ونُبِئ فيها رسول الله صلعم ، ومات فيها موسى ويُوشع بن نون ♂ ، مكث يوم الجمعة وليلة السبت، وتوفِّي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلةً بقيت مِن رمضان سنة أربعين مِنَ الهجرة، وبُويِع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان مِن هذه السنة، فقيل: في اليوم الذي استُشهِد فيه عليٌّ، قاله الواقديُّ، وقيل: في الليلة التي دُفنَ فيها، وقيل: بعد وفاته بيومين، قال هشام: وأقام الحسن أيَّامًا يفكِّرُ في أمره، ثُمَّ رأى اختلاف الناس؛ فرقةً مِن جهته، وفرقة مِن جهة معاوية، ولا يستقيم الأمر، ورأى النظر في إصلاحِ المسلمين وحقن دمائهم أولى مِنَ النظر في حقِّه، سلَّم الخلافة لمعاوية في الخامس مِن ربيعٍ الأَوَّل مِن سنة إحدى وأربعين، وقيل: مِن ربيعٍ الآخر، وقيل: في غُرَّة جمادى الأولى، وكانت خلافته ستَّة أشهر إلَّا أيَّامًا، وسُمِّيَ هذا العام عام الجماعة، وهذا الذي أخبره النَّبيُّ صلعم : «لعلَّ الله أن يُصلِح به بين فئتين عظيمتين».
          (ص) وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات:9].
          (ش) (وَقَولِهِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (قول النَّبِيِّ صلعم ) وأشار بذكر هذه القطعة مِنَ الآية الكريمة: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى أنَّ الصلح أمرٌ مشروعٌ ومندوبٌ إليه.