عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب في الإصلاح بين الناس
  
              

          ░1▒ (ص) بابُ فِي الإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حُكمِ الإصلاح بينَ الناس، وفي بعض النُّسَخ: <باب ما جاء في الإصلاح بينَ الناس>.
          (ص) وقَوْلِ الله تعَالى: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:41].
          (ش) (وَقَوْلِ الله) بالجرِّ عطفًا على قوله: (فِي الإصلاح) ذكر هذه الآية في بيانِ فضل الإصلاح بين الناس، وأنَّ الصلح أمرٌ مندوبٌ إليه، وفيه قطع النزاع والخصومات.
          قوله: ({مِنْ نَّجْوَاهُمْ}) يعني: كلام الناس، ويقال: النجوى السِّرُّ، وقال النَّحَّاس: كلُّ كلامٍ ينفرد به جماعةٌ، سرًّا كان أو جهرًا؛ فهو نَجوى.
          قوله: ({إِلَّا مَنْ أَمَرَ}) تقديره: إلَّا نجوى مِن أمرٍ... إلى آخره، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعًا؛ بمعنى: لكن مَن أمر بصدقةٍ أو معروفٍ، فإنَّ في نجواه خيرًا، وقال الداوديُّ: معناه: لا ينبغي أن يكونَ أكثر نجواهم إلَّا في هذه الخلال.
          قوله: ({أَوْ مَعْرُوفٍ}) (المعروف) اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما عُرِفَ مِن طاعة الله ╡ ، والتقرُّب إليه والإحسان إلى الناس، وكلُّ ما نَدَبَ إليه الشرع، ونهى عنه مِنَ المحسِّنات والمقبِّحات، وهو مِنَ الصفات الغالبة؛ أي: أمرٌ معروفٌ بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه.
          قوله: ({ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ}) أي: طلبًا لرضاه، مخلصًا في ذلك محتسبًا ثواب ذلك عند الله تعالى.
          (ص) وخُرُوجِ الإمَامِ إلى المَوَاضِعِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ بأصْحَابِهِ.
          (ش) (وَخُرُوجِ الإمَامِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (وَقَولِ الله) وهو مِن بقية الترجمة، قال المُهَلَّب: إِنَّما يخرج الإمامُ ليصلح بين الناس إذا أشكل عليه أمرهم، وتعذَّر ثبوت الحقيقة عنده فيهم؛ فحينئذ يخرج إلى الطائفتين ويسمع مِنَ الفريقين، ومِنَ الرجل والمرأة، ومِن كافَّة الناس سماعًا شافيًا يدلُّ على الحقيقة، هذا قول عامَّة العلماء، وكذلك ينهض الإمام إلى العقارات والأرضين التي يُتشاحُّ في قسمتها فيعاين ذلك، وقال عطاء: لا يحلُّ للإمام إذا تبيَّن القضاء أن يصلحَ بين الخصوم، وإِنَّما يسعه ذلك في الأمور المشكلة، وأَمَّا إذا استبانت الحجَّة لأحدِ الخصمين على الآخر، وتبيَّن للحاكم موضعَ الظالم على المظلوم؛ فلا يسعه أن يحملهما على الصلح، وبه قال أبو عُبيد، وقال الشَّافِعِيُّ: يأمرهما بالصلح، ويؤخِّر الحكم بينهما يومًا ويومين، وقال الكوفيُّون: إن طمع القاضي أن يصطلح الخصمان فلا بأس أن يُردِّدهما، ولا ينفِّذ الحكم بينهما لعلَّهما يصطلحان، ولا يُردِّدهم أكثر مِن مَرَّةٍ أو مَرَّتينِ، فإن لم يطمع أنفذ الحكم بينهما، واحتجُّوا بما رُوِيَ عن عمر ☺ أنَّهُ قال: رَدِّدوا الخصومَ حَتَّى يصطلحوا، فإنَّ فصل القضاء يحدث بين الناسِ الضغائنَ.