عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: أن النبي قضى أن اليمين على المدعى عليه
  
              

          2514- (ص) حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
          (ش) مطابقته لجزء الترجمة، وهو قوله: (وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ).
          و(خَلَّادُ) بفتح الخاء المُعْجَمة وتشديد اللام: ابن يحيى بن صفوان، أبو مُحَمَّدٍ السُّلميُّ الكوفيُّ، وهو مِن أفراده، و(نَافِعُ بْنُ عُمَرَ) ابن عبد الله الجُمَحِيُّ مِن أهل مكَّة، و(ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) هو عبد الله بن عُبيد الله بن أبي مُليكة، واسمه: زهير بن عبد الله، أبو مُحَمَّدٍ، المَكِّيُّ الأحول، كان قاضيًا لابن الزُّبَير ومؤذِّنًا له.
          والحديثُ أخرجه البُخَاريُّ أيضًا في (الشهادات) عَن أَبيْ نُعَيْم، وفي (التفسير) عن نصر بن عليٍّ، وأخرجه مسلمٌ في (الأحكام) عَن أبي الطاهر ابن السَّرح، وعَن أبي بَكْر ابن أبي شَيْبَةَ، وأخرجه أبو داود في (القضايا) عَنِ القَعْنَبِيِّ عن نافع بن عُمَر مختصرًا، وأخرجه التِّرْمِذيُّ في (الأحكام) عن مُحَمَّد بن سهيل، وأخرجه النَّسائيُّ في (القضاء) عن عليِّ بن سعيد، وعن مُحَمَّد بن عبد الأعلى، وأخرجه ابن ماجه في (الأحكام) عَن حرملة بن يحيى عن ابن وَهْب في معناه.
          قوله: (كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) يعني: كتبت إليه أسأله في قضيَّة امرأتين ادَّعت إحداهما على الأخرى، على ما يجيء في (تفسير سورة آل عِمْرَان).
          قوله: (فَكَتَبَ إِلَيَّ) إلى آخره، الكتابة حكمها حكم الاتِّصال لا الانقطاع، والخلاف فيها معروفٌ في علوم الحديث، وقد قال بصحَّته أيُّوب ومنصور وآخرون، وهو الصحيح المشهور كما قال ابن الصلاح، وهو الصحيح أيضًا عند الأصوليِّين كما ذكره في «المحصول»، وفي الصحيح عدَّة أحاديث؛ مِن ذلك: قال البُخَاريُّ في (الأيمان والنذور) : كتب إليَّ مُحَمَّد بن بشَّار...، وعند مسلم: أنَّ جابر بن سَمُرة كتب إلى عامر بن سعد بن أبي وَقَّاصٍ بحديث رجم الأسلميِّ، وذهب أبو الحسن بن القَطَّان إلى انقطاع الرواية بالكتابة، وأُنكِرَ عليه في ذلك، وممَّن ذهب إلى عدم صحَّة الكتابة الماورديُّ؛ كما ذهب إليه في الإجازة.
          قوله: (قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) قيل: إنَّ البُخَاريَّ حمله على عمومه، خلافًا لِمَن قال: إنَّ القول في الرهن قول المرتهن ما لم يجاوز قدر الرهن؛ لأنَّ الرهن كالشاهد للمرتهن، وقال الداوديُّ: الحديث خرج مخرج العموم، وأريد به الخصوص، وقال ابن التِّين: والأولى أن يقال: إِنَّها نازلة في عينٍ، والأفعال لا عموم لها كالأقوال في الأصحِّ، وقد جاء في حديث: «إلَّا في القِسامة» أي: فَإِنَّها على المدَّعي إذا قال: دَمي عند فلانٍ، وادَّعى ابن التِّين أنَّ الشَّافِعِيَّ وأبا حنيفة وجماعةً مِن متأخِّري المالكيَّة أبَوْا ذلك، ثُمَّ قال: وقيل: يُحلَّف المدَّعي وإن لم يَقُلِ الميِّت: دمي عند فلان، وهو قولٌ شاذٌّ لم يقله أحدٌ مِن فقهاء الأمصار، وقال فرقة: لا يجب القتلُ إلَّا ببيِّنةٍ أو اعترافٍ القاتل.
          قُلْت: قوله: (وقد جاء في حديثٍ: «إلَّا في القسامة») وهو حديثٌ رواه ابن عَدِيٍّ في «الكامل»، والدَّارَقُطْنيُّ مِن رواية مسلم بن خالد الزنجيِّ عن ابن جُرَيْج عن عطاء عن أبي هُرَيْرَة: أنَّ رسول الله صلعم قال: «البيِّنة على المدَّعي، واليمين على مَن أنكر، إلَّا في القسامة».