عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا قيل للمصلي: تقدم أو انتظر فانتظر فلا بأس
  
              

          ░14▒ (ص) باب إِذَا قِيلَ لِلْمُصَلِّي: تَقَدَّمَ أَوِ انْتَظِرْ، فَانْتَظَرَ؛ فَلَا بَأْسَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يذكر فيه إذا قيل للمصلِّي: تَقَدَّمَ _أي: قَبلَ رفيقك_ أو انتظر؛ أي: أو قيل له: انتظر؛ أي: تأخَّر عنه، هكذا فَسَّره ابن بَطَّالٍ، وكأنَّه أخذ ذلك مِن حديث الباب، وفيه فقيل للنساء: «لا ترفعن رؤسكنَّ حَتَّى يستوي الرجال جلوسًا»، فمقتضاه تَقَدُّم الرجال على النساء وتأخرهنَّ عنهم، واعترض الإسماعيليُّ على البُخَاريِّ هنا بقوله: ظنَّ _أي: البُخَاريُّ_ أنَّ المخاطبة للنساء وقعت بذلك / وهنَّ في الصلاة، وليس كما ظنَّ بل هو شيءٌ قيل لهن قبل أن يدخلن في الصلاة، وأجاب بعضهم عن ذلك نصرةً للبُخَاريِّ بقوله: إنَّ البُخَاريَّ لم يصرِّح بكون ذلك قيل لهنَّ وهُنَّ داخل الصلاة أو خارجها، والذي يظهر أنَّ النَّبِيَّ صلعم وصَّاهنَّ بنفسه أو بغيره بالانتظار المذكور قبل أن يدخلنَ في الصلاة ليدخلن فيها على علمٍ، انتهى.
          قُلْت: الاعتراض المذكور والجوابُ عنه كلاهما واهيان:
          أَمَّا الاعتراض فليس بواردٍ؛ لأنَّ نفيه ظنَّ البُخَاريِّ بذلك غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ ظاهر متن الحديث يقتضي ما نسبه إلى البُخَاريِّ مِن الظنِّ، بل هو أمرٌ ظاهر وليس بظنٍّ؛ لأنَّ قوله صلعم : «فقيل للنساء...» إلى آخره بفاء العطف على ما قبله يقتضي أنَّ هذا القول قيل لهنَّ والناس يصلُّون مع النَّبِيِّ صلعم ، فالظاهر أنهنَّ كنَّ مَعَ الناس في الصلاة، وإن كان يحتمل أن يكون هذا القول لهنَّ عند شروعهنَّ في الصلاة مَعَ الناس، ولا يلتفت إلى الاحتمال إذا كان غير ناشِئٍ عن دليل.
          وأَمَّا الجواب فكذلك، وهو غير سديدٍ؛ لأنَّ قوله: (والذي يظهر...) إلى آخره غيرُ ظاهرٍ لا مِنَ الترجمة ولا مِن حديث الباب؛ أَمَّا الترجمة فلا شيء [فيها] مِنَ الدلالة على ذلك، وأَمَّا متن الحديث فليس فيه إلَّا لفظ (قيل) بصيغة المجهول، فمِن أين ظهر أنَّهُ صلعم هو الذي وصَّاهنَّ به بنفسه أو بغيره؟ ولا فيه شيءٌ يدلُّ على أنَّ ذلك كان قبل دخولهنَّ في الصلاة، بل الذي يظهر مِن ذلك ما ذكرناه؛ بقضيَّة تركيب متن الحديث، فافهم فَإِنَّهُ بحثٌ دقيقٌ.