عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من رجع القهقرى في صلاته أو تقدم لأمر ينزل به
  
              

          ░6▒ (ص) بَابُ مَنْ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي الصَّلَاةِ أَوْ تَقَدَّمَ لِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ.
          (ش) أي: هذا بَابٌ في بيانِ المُصلِّي الذي رجع القهقرى في صلاته، قال ابنُ الأثير: «القهقرى» هو المشيُ إلى خلف مِن غير أن يعيدَ وجهَه إلى جهة مشيه، قيل: إنَّهُ مِن باب القهر، وقال الجَوْهَريُّ: «القهقرى» الرجوع إلى خلف، فإذا قُلْت: رجعت القهقرى؛ فكأنَّك قُلْت: رجعتُ الرجوع الذي يُعرَف بهذا الاسم؛ لأنَّ القهقرى ضربٌ مِنَ الرجوع.
          قُلْت: فعلى هذا انتصابُه على المصدريَّة مِن غير لفظه.
          قوله: (أَوْ تَقَدَّمَ) أي: أو تَقَدَّمَ المُصلِّي إلى قدَّام لأجل أمرٍ ينزلُ به.
          (ص) رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) أي: روى كلَّ واحدٍ مِن رجوع المُصلِّي القهقرى في صلاته وتقدُّمه لأمرٍ ينزل به، رواه سهلُ بنُ سعدٍ، وروى ذلك البُخَاريُّ عن سهلٍ في (باب الصلاة في المنبر والسطوح) في أوائل (كتاب الصلاة) فقال: حَدَّثَنَا عليُّ بن عبدِ الله قال: حَدَّثَنَا سفيان قال: أخبرنا أبو حازم قالوا: سألوا سهلَ بنَ سعدٍ: مِن أيِّ شيء المنبر؟... الحديث، وفيه: (فقام عليه رسولُ الله صلعم ...) أي: على المنبر إلى أن قال: فاستقبل القبلة وكبَّر، وقام الناس خلفَه، فقرأ وركع، وركعَ النَّاسُ خلفه، ثُمَّ رفع رأسه، ثُمَّ رجع القهقرى [فسجدَ / على الأرض، ثُمَّ عاد إلى المنبر، ثُمَّ قرأ، ثُمَّ ركع، ثُمَّ رفع رأسه، ثُمَّ رجع القهقرى] حَتَّى سجدَ بالأرض، فهذا شأنُه، وقال بعضهم: يشير بذلك _يعني بقوله: رواه سهلُ بنُ سعدٍ عن النَّبِيِّ صلعم _ إلى حديثه الماضي قريبًا، ففيه: «فرفع أبو بكر يدَه، فحمد الله، ثُمَّ رجع القهقرى»، وأَمَّا قوله: «أَوْ تَقَدَّمَ» فهو مأخوذٌ مِنَ الحديث أيضًا؛ وذلك أنَّ النَّبِيَّ صلعم وقف في الصف الأَوَّل خلف أبي بكر [على إرادة الائتمام به، فامتنعَ أبو بكر من ذلك، فتقدَّم النَّبِيُّ صلعم ، ورجع أبو بكر] من موقف الإمام إلى موقف المأموم انتهى.
          قُلْتُ: الذي قاله يردُّه الضميرُ المنصوبُ في (رواه) يَفهَمُ ذلك مَن له أدنى ذوقٍ مِن أحوال تركيب الكلام؛ ولذلك أعدنا الضميرَ فيه إلى ما قدَّرناه، وصاحب «التلويح» أيضًا ذهل في هذا وقال بعد قوله: (رواه سهل) : هذا الحديث تَقَدَّمَ مسندًا في «باب ما يجوز من التسبيح في الصلاة»، ثُمَّ قال: وفي قوله: «رواه سهلٌ عن النَّبِيِّ صلعم » [فيه نظرٌ؛ وذلك أنَّهُ إِنَّما شاهد الفعلَ؛ وهو التقدُّم مِن سيِّدنا رسولِ الله صلعم ]، والتأخُّر مِن أبي بكر ☺ .
          ثُمَّ قال القائل المذكور: ويحتمل أن يكون المراد بحديث سهل ما تَقَدَّمَ في «الجمعة» من صلاته صلعم على المنبر، ونزوله القهقرى حَتَّى سجد في أصل المنبر، ثُمَّ عاد إلى مقامه.
          قُلْت: قولُه: «يحتمل» غيرُ سديدٍ؛ لأنَّ البُخَاريَّ ما أراد إلَّا هذا الحديثَ، وهو المناسب لما ذكره، ولا يقال في مثل هذا بالاحتمال.