عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة
  
              

          7239- (ص) حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلعم بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ ☺ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي _أَوْ عَلَى النَّاسِ_ وَقَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: عَلَى أُمَّتِي _لأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ_» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس: أَخَّرَ النَّبِيُّ صلعم هَذِهِ الصَّلَاةَ فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ رَقَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ يَقُولُ: «إنَّهُ لَلْوَقْتُ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» وَقَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ لَيْسَ فِيهِ: ابْنُ عَبَّاس، أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ: رَأْسُهُ يَقْطُرُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ. وَقَالَ عَمْرٌو: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: / «إنَّهُ لَلْوَقْتُ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي».
          -وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) قيل: لا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة؛ لأنَّ الترجمة معقودةٌ على «لو» وفي هذا الحديث «لولا»، و«لو» لامتناع الشيء لامتناع غيره، و«لولا» لامتناع الشيء لوجود غيره، فبينهما بونٌ بعيدٌ.
          وأجيب بأنَّ مآل «لولا» إلى «لو»؛ إذ معناه: لو لم تكن المشقَّة لأمرْتُهم، ويحتمل أن يقال: أصله «لو» زيد عليه «لا»، وقد ذكر في هذا الباب تسعة أحاديث في بعضها النطق بـ(لو) وفي بعضها (لولا).
          وشيخ البُخَاريِّ هنا (عليٌّ) ابن عبد الله بن المدينيِّ، و(سُفْيَانُ) هو ابن عُيَينة، و(عَمْرٌو) هو ابن دينارٍ، و(عَطَاءٌ) هو ابن أبي رَبَاحٍ.
          قوله: (قَالَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلعم ) أي: قال عطاءٌ: أعتم النَّبِيُّ صلعم إلى قوله: (قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ) مرسلٌ، وشرح المتن فيه مضى في (كتاب الصلاة) ولنذكر بعض شيءٍ.
          قوله: (أَعْتَمَ) أي: أبطأ واحتبس، أو دخل في ظلمة اللَّيل.
          قوله: (الصَّلَاةَ) منصوبٌ على الإغراء، ويجوز الرفع على تقدير: هي الصلاةُ؛ أي: وقتها.
          قوله: (يَقْطُرُ) أي: ماءً.
          قوله (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) بِضَمِّ الشين؛ أي: لولا أن أُثقِل عليهم وأُدخِلُهم في المشقَّة.
          قوله: (وَقَالَ سُفْيَانُ) هو ابن عُيَينة الراوي.
          قوله: (قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ) إلى قوله: (وَقَالَ عَمْرٌو) مُسْنَدٌ، و(ابن جُرَيْج) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْجٍ، وهو ليس بتعليقٍ، بل هو موصولٌ بالسند المذكور.
          قوله: (وَالْوِلْدَانِ) جمع (وليدٍ) وهو الصبيُّ.
          قوله: (إنَّهُ لَلْوَقْتُ) أي: إنَّ هذا الوقت وقت الصلاة، واللَّام مفتوحةٌ؛ أي: لولا أن أشقَّ عليهم لحكمتُ بأنَّ هذه الساعةَ هي وقت صلاة العشاء.
          قوله: (وَقَالَ عَمْرٌو) أي: ابن دينارٍ: (حَدَّثَنَا عَطَاءٌ) أي ابن أبي رَبَاحٍ (لَيْسَ فِيْهِ) أي: في سنده عبد الله (ابْن عَبَّاسٍ).
          قوله: (أَمَّا عَمْرٌو...) إلى قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) إشارةٌ إلى اختلاف لفظ عَمْرٍو ولفظ ابن جُرَيْج فيما روياه؛ فقال عَمْرو: (رَأْسُهُ يَقْطُرُ) وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: (يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ) وكذا اختلافهما فيما بعد ذلك حيث قال عَمْرو: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي) وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: (إنَّهُ لَلْوَقْتُ).
          قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ) على وزن اسم الفاعل مِنَ الإنذار، ابن عبد الله بن المنذر، أبو إسحاق الحِزَامِيُّ المدينيُّ، وهو أحد مشايخ البُخَاريِّ، روى عنه في غير موضعٍ، وروى عن مُحَمَّد بن أبي غالبٍ عنه حديثًا في (الاستئذان)، وإبراهيم هذا يروي عن (مَعْنٍ) بفتح الميم وسكون العين المُهْمَلة وبالنون، ابن عيسى القزَّاز؛ بالقاف وتشديد الزاي الأولى، عن (مُحَمَّد بْنِ مُسْلِمٍ) الطائفيُّ، عن (عَمْرو) ابن دينارٍ، عن (عَطَاء) ابن أبي رَبَاح، عن عبد الله (ابْنِ عَبَّاسٍ) عن (النَّبِيِّ صلعم ).
          وهذا موصولٌ بذكر ابن عَبَّاسٍ فيه، وهو مخالفٌ لتصريح سفيان بن عُيَيْنَةَ عن عَمْرٍو بأنَّ حديثه ليس فيه ابن عَبَّاس، قيل: هذا يُعدُّ مِن أوهام الطائفيِّ، وهو موصوفٌ بسوء الحفظ.
          قُلْت: إذا كان الأمر كما قاله هذا القائل فكيف رضي البُخَاريُّ بإخراجه عنه موصولًا؟!