عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما يجوز من اللو
  
              

          ░9▒ (ص) بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما يجوز أن يقال: لو كان كذا لكان كذا.
          قوله: (مِنَ اللَّوْ) بسكون الواو، ويُروى بتشديدها، ولمَّا أرادوا إعرابها جعلوها اسمًا بالتعريف؛ لتكون علامةً لذلك، وبالتشديد ليصير متمكِّنًا، قال الشاعر: /
أُلَامُ عَلَى «لَوٍّ» وَلَوْ كُنْتُ عَالِمًا                     بَأَذْنَابِ اللَّوِّ لَمْ تُفتْنِي أَوَائِلُهْ
          وقال ابن الأثير: أصل «لو» ساكنة الواو، وهي حرفٌ مِن حروف المعاني، يمتنع بها الشيء لامتناع غيره غالبًا، فلمَّا سُمِّي بها زيد فيها، فلمَّا أرادوا إعرابها أَتَوا فيها بالتعريف؛ ليكون علامةً لذلك، ومِن ثَمَّ تُشدَّد الواو، وقد سُمِع بالتشديد مُنَوَّنًا، قال الشاعر... وذكر البيت المذكور، وقال ابن التين: في بعض النُّسَخ _وتبعه الكَرْمانيُّ_: <باب ما يجوز مِن «لو»> بغير ألفٍ ولامٍ ولا تشديدٍ على الأصل، وقال بعضهم: لعلَّه مِن إصلاح بعض الرواة لكونه لم يَعرِف وجهه.
          قُلْت: هذا هو الصواب؛ لأنَّ معناه: باب ما يجوز مِن ذكر «لو» في كلامه، ولا يحتاج إلى تكلُّفاتٍ بعيدةٍ، وأَمَّا الشاعر فَإِنَّهُ شدَّد «لو» للضرورة، ونسبة بعض الرواة إلى عدم معرفة وجه ذلك مِن سوء الأدب.
          (ص) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}[هود:80].
          (ش) هذا حكايةٌ عن قول لوطٍ ◙ ، وتمامه: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} واحتجَّ به البُخَاريُّ على جواز استعمال (لو) في الكلام، وقال عياضٌ: الذي يُفهَم مِن ترجمة البُخَاريِّ ومِمَّا ذكره في الباب مِنَ الأحاديث أنَّهُ يجوز استعمال «لو» و«لولا» فيما يكون للاستقبال مِمَّا فعله لوجود غيره، ثُمَّ قال: النهي على ظاهره وعمومه، لكنَّه نهيُ تنزيهٍ، وقال النوويُّ: الظاهر أنَّ النهي عن إطلاق ذلك فيما لا فائدةَ فيه، وأَمَّا مَن قاله تأسُّفًا على ما فاته مِن طاعة الله أو ما هو متعذِّرٌ عليه منه ونحو هذا؛ فلا بأس به، وعليه يُحمَل أكثرُ الاستعمال الموجود في الأحاديث، ثُمَّ إنَّ جواب {لَو} في قوله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}[هود:80] محذوفٌ؛ تقديره: لقاتلتُكم وحُلنا بينكُم وبينهم، والمعنى: لو كان لي قوَّة؛ أي: مَنَعة وشيعة تنصرني، وقصَّته مشهورةٌ في التفسير.