عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا أكره حتى وهب عبدًا أو باعه لم يجز
  
              

          ░4▒ (ص) بَابٌ إِذَا أُكْرِهَ حَتَّى وَهَبَ عَبْدًا أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه إذا أُكْرِه الرَّجل حَتَّى وهب عبده لشخصٍ أو باعه له لم يجز؛ أي: لم يصحَّ لا الهبة ولا البيع، والعبد باقٍ على مُلْكِه.
          (ص) وَبِهِ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ.
          (ش) أي: بالحكم المذكور قال بعض الناس؛ وهو عدم جواز هبة المُكرَه عبده، وكذا بيعَه.
          قُلْت: إذا أراد بـ(بعض الناس) الحَنَفيَّة, فمذهبهم ليس كذلك، فإنَّ مذهبهم أنَّ شخصًا إذا أُكرِه على بيع ماله أو هبته لشخصٍ أو على إقراره بألفٍ مثلًا لشخصٍ ونحو ذلك، فباع أو وَهَبَ أو أقرَّ، ثُمَّ زال الإكراه؛ فهو بالخيار إنْ شاء أمضى هذه الأشياء أو فسخها؛ لأنَّ الملك ثبت بالعقد لصدوره مِن أهله في محلِّه إلَّا أنَّهُ فَقَدَ شرطَ الحِلِّ؛ وهو التراضي، فصار كغيره مِنَ الشروط المُفسِدة، حَتَّى لو تصرَّف فيه تصرُّفًا لا يقبل النقضَ _كالعتق والتدبير ونحوهما_ ينفذ وتلزمه القيمة، وإن أجازه جاز؛ لوجود التَّراضي، بخلاف البيع الفاسد؛ لأنَّ الفساد لحقِّ الشرع.
          (ص) قَالَ: فَإِنْ نَذَرَ الْمُشْتَرِي فِيهِ نَذْرًا، فَهْوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ.
          (ش) أراد بهذا الكلام التشنيعَ على هؤلاء البعض مِنَ الناس، وإثبات تناقضهم في كلامِهِم؛ أي: قال هؤلاء البعض: (فَإِنْ نَذَرَ الْمُشْتَرِي) يعني: المشتري مِنَ المُكرَه في الَّذي اشتراه (نَذْرًا، فَهْوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ) أي: بقوله.
          (ص) وَكَذَلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ.
          (ش) أي: وكذلك قال هؤلاء البعض: (إن دبَّر المشتري) مِنَ المُكرِهِ العبدَ الذي اشتراه، بيان التناقض الذي زعمه البُخَاريُّ _فيما قاله الكَرْمانيُ_ قال: قال المشايخ: إذا قال البُخَاريُّ: «بعض الناس» يريد به الحَنَفيَّة، وغرضه: أنَّ يبيِّن أنَّ كلامهم متناقضٌ؛ لأنَّ بيع الإكراه هل هو ناقلٌ للملك إلى المشتري أم لا؟ فإن قالوا: نعم، فيصحُّ منه جميع التصرُّفات، ولا يختصُّ بالنذر والتدبير، وإن قالوا: لا، فلا يصحَّان هما أيضًا، وأيضًا فيه تحكُّمٌ وتخصيصٌ , انتهى.
          قُلْت: أوَّلًا: ليس مذهب الحَنَفيَّة في هذا كما زعمه البُخَاريُّ كما ذكرنا، وثانيًا: إنَّا نمنع هذا الترديد في نقل الملك وعدمه، بل الملك يثبت بالعقد؛ لصدوره مِن أهله في محلِّه، إلَّا أنَّهُ فَقَدَ شرطَ الحلِّ؛ وهو التراضي، فصار كغيره مِنَ الشروط المُفسِدة، حَتَّى لو تصرَّف فيه تصرُّفًا لا يقبل النقض _كالعتق والتدبير ونحوهما_ ينفذ وتلزمه القيمة، وإن أجازه جاز؛ لوجود التراضي، بخلاف البيع الفاسد؛ لأنَّ الفساد لحقِّ الشرع.