الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه

          2008- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ): مصغَّراً، ونسبه لجدِّه لشهرتهِ به، وإلَّا فهو ابنُ عبد الله بن بكيرٍ، وهو ثقةٌ في اللَّيثِ، وتكلَّموا في سماعهِ من مالكٍ، قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عنِ عُقَيْلٍ): مصغَّراً (عَنِ ابْنِ شِهابٍ): وللنَّسائيِّ عن مالكٍ: ((حدَّثني ابن شهاب)).
          قال: (أَخْبَرَنِي): بالإفراد (أبوُ سَلَمَةَ): بفتحاتٍ، قيل: اسمهُ عبد الله، وقيل: إسماعيلُ، وهو ابن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (أنَّ أبا هُرَيْرَةَ ☺ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلعم يَقُولُ لِرَمَضَانَ): أي: لفضلهِ أو لأجلهِ، أو اللام بمعنَى عن، نحو قولهِ تعالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا} [العنكبوت:12] أي: عنهُم، وقيل: اللام بمعنى في، نحو قولهِ تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47].
          واستبعدَ العينيُّ كونها بمعنى عن، قال: ووجهُ البعدِ أن ما كانَ لفظه من مادَّة القولِ إذا استعملَ بـ((عن)) يكون بمعنى النقلِ، وهذا المعنَى هنا بعيدٌ جدًّا، بل غير موجَّه. انتهى فليتأمَّل.
          (مَنْ قَامَهُ): أي: رمضانَ بصلاةِ التَّراويح، أو بمطلقِ الطَّاعة في جميعِ لياليهِ (إِيمَاناً): حال أو مفعول لأجلهِ؛ أي: مصدِّقاً بأنَّه حقٌّ، معتقداً فضلهُ (وَاحْتِسَاباً): أي: محتسباً ثوابهُ عند اللهِ تعالى لا لرياءٍ ونحوه.
          وقال الخطَّابيُّ: ((واحتساباً)) أي: نيَّةً وعزيمةً. انتهى فتدبَّر.
          (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ): قال في ((الفتح)): ظاهرهُ يتناولُ الصَّغائر والكبائر، / وبه جزمَ ابن المنذرِ، وقال النَّوويُّ: المعروفُ أنَّه يختصُّ بالصَّغائر، وبهِ جزمَ إمام الحرمينِ، وعزاهُ عياض لأهلِ السُّنَّة.
          قال بعضهم: ويجوزُ أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرةً، زادَ النَّسائي: ((وما تأخَّر))، ووافقه جماعةٌ منهم الحسينُ بن الحسن المروزيُّ في كتابِ ((الصِّيام)) له، وهشامُ بن عمَّار في الجزءِ الثَّاني من فوائدهِ، ويوسُف النجاحي في ((فوائدهِ)).
          وأخرجَها أحمدُ عن أبي هريرةَ وعن الحسنِ كلاهُما عن النَّبيِّ صلعم، وأخرجها أبو عبدِ اللَّه الجرجانيُّ في ((أماليهِ)) عن مالكٍ، قال: ووردَ في غفرانِ ما تقدَّم وما تأخَّر من الذُّنوب عدَّة أحاديثٍ جمعتها في كتابٍ مفردٍ.
          وقد استشكلت هذه الزِّيادة، فإنَّ المغفرة تستدعِي سبقَ ذنبٍ، والمتأخِّر لم يقع فكيفَ يغفر؟
          وأجيب: بأنَّهما مثل ما قالَ الله تعالى في أهل بدرٍ: ((اعملُوا ما شئتُم فقد غفرتُ لكُم))، وحاصلُ الجوابِ: أنَّه كنايةٌ عن حفظهِم في المستقبلِ من وقوعِ ذنوبٍ، ولا تختصُّ بالكبائرِ، كما في ((الفتح)).
          وقيل: إنَّها تقع مغفورةً كما أجاب بهِ جماعةٌ، منهم الماورديُّ في الكلامِ على صيامِ عرفةَ، وأنَّه يكفِّر سنةً ماضيةً، وسنةً مستقبلةً.
          وتعقِّب الجوابُ الأوَّل بما وقعَ من مثلِ مسطحٍ في قصَّة الإفكِ، ومن قصَّة نُعيمان المشهورة، ومطابقة الحديثِ للتَّرجمةِ ظاهرةٌ.