الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من قرأ السجدة ولم يسجد

          ░6▒ (بَابُ مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ) أي: بيان من قرأ آية السَّجدة، وجملة: (وَلَمْ يَسْجُدْ) أي: لها، حاليَّة، واللام في ((السجدة)) للعهد؛ أي: سجدة النَّجم لا للجنس، لسجودِهِ في غيره.
          قال في ((الفتح)): يشير بذلك إلى الرَّدِّ على من احتجَّ بحديث الباب على أنَّ المفصل لا سجود فيها كالمالكيَّةِ، أو أنَّ النَّجم بخصوصها كأبي ثورٍ؛ لأنَّ تركه السُّجود فيها في هذه الحالة لا يدلُّ على تركه مطلقاً، لاحتمال أنَّه كان بلا وضوءٍ، أو كان الوقت وقت كراهةٍ، أو لكون القارئ لم يسجُدْ، أو تركه بياناً للجواز، وهذا أرجحُ، وبه جزم الشافعيُّ؛ لأنَّه لو كان واجباً لأمره بتدارك السُّجود.
          وأمَّا ما رواه أبو داود وغيره عن ابن عبَّاسٍ: ((أنَّه عليه السلام لم يسجُدْ في شيءٍ من المفصل منذ تحوَّلَ للمدينةِ))، فضعَّفه أهل الحديث لضعف بعض رواته، على أنَّه يأتي في الباب الذي يليه ثبوت السُّجود في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وكذا روى البزَّار، والدَّارقطنيُّ بسندٍ رجاله ثقاتٌ عن أبي هريرة: ((أنَّ النبيَّ سجد في النجم، وسجدنا معه))، ورواه ابن مردويه في ((التفسير)) بسندٍ حسنٍ عن أبي هريرة: أنَّه سجد في خاتمة النَّجم فسأله فقال: إنَّه رأى رسول الله سجد فيها، وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة، وروى عبد الرَّزاق بسندٍ صحيحٍ عن عمر: أنه سجد في الانشقاق، وروي أيضاً عن ابن عمر أنَّه سجد فيها، وأمَّا قول ابن القصَّار: الأمر بالسُّجود في النجم ينصرفُ إلى الصَّلاة، ردُّوه بفعله صلعم للسُّجود فيها.
          قال: وفي هذا ردٌّ على / من زعم أنَّ عمل أهل المدينة استمر على ترك السُّجود في المفصل، ويحتمل أنَّ المنفيَّ مواظبته عليه السلام على عدم السُّجود في شيءٍ من المفصل، ثمَّ قال: وزعم بعضهم أنَّ عمل أهل المدينة استمرَّ بعد النبيِّ على ترك السُّجود في الصَّلاة، وفيه نظرٌ، لما روى الطَّبريُّ بسندٍ صحيحٍ عن عمر: أنَّه قرأ النجم في الصَّلاة فسجد فيها، ثمَّ قام فقرأ: {إِذَا زُلْزِلَتْ}، وروى الطَّبري أيضاً عن ابن عمر: أنَّه سجد في النَّجم، انتهى ملخَّصاً.