الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: قرأ النبي النجم بمكة فسجد فيها

          1067-وبالسند قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة (قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال، محمَّد بن جعفر (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) أي: عَمرو _بفتح العين_ السَّبيعيِّ (قَالَ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ) بفتح الهمزة؛ أي: ابن يزيدَ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أي: ابن مسعودٍ (☺ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلعم النَّجْمَ) أي: سورتها (بِمَكَّةَ) حالٌ من ((النبي))، أو متعلِّق بـ((قرأ))، والباء للظرفية.
          (فَسَجَدَ فِيهَا) أي: في آخرها، وفي نسخةٍ: <بها> لكنَّها للظرفيَّة، ويحتمل كلٌّ منهما السببيَّة (وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ) أي: مع النبيِّ، و((من)) موصولةٌ، أو نكرة موصوفة (غَيْرَ شَيْخٍ) بنصب: ((غير)) حالاً، ويجوز رفعه على النعت لـ((من)) إن جعلت نكرةً موصوفةً. والشَّيخ لغة: من بلغ أربعين سنة، والمرادُ به: أميَّة بن خلف كما يأتي في النَّجم، وقيل: الوليد بن المغيرة.
          قال في ((الفتح)): وفيه نظرٌ؛ لأنَّه لم يُقتَلْ، وقيل: عتبة بن ربيعة، وفيه نظرٌ لما أخرجه الطبرانيُّ من حديث مخرمةَ بن نوفل قال: لما أظهر النَّبيُّ صلعم الإسلام أسلم أهل مكَّة حتى إنه كان ليقرأ السَّجدة فيسجدون، فلا يقدر بعضهم أن يسجُدَ من الزِّحام، حتى قدم رؤساء قريشَ: الوليد بن المغيرة، وأبو جهل، وغيرهما، وكانوا بالطَّائف، فرجعوا، وقالوا: تدَعُون دين آبائكم؟
          لكن في ثبوت هذا نظرٌ لقول أبي سفيان في الحديث الطَّويل: إنَّه لم يرتدَّ أحدٌ ممن أسلم، ويمكن الجمع: بأن النَّفي مقيَّدُ بمن ارتدَّ سخطاً لا بسبب مراعاة خاطرٍ، وروى الطبريُّ عن سعيد بن جبيرٍ: أنَّ الذي رفع التراب فسجد عليه هو سعيدُ بن العاص أبو أحيحة، وذكر أبو حيَّان شيخ شيوخنا في ((تفسيره)): أنَّه أبو لهبٍ، ولم يذكر مستنده، وللنَّسائيِّ من حديث المطَّلب بن أبي وداعة قال: ((قرأ رسولُ الله النَّجم فسجد))، وسجد من معه، فرفعت رأسي، وأبيتُ / أن أسجُدَ، ولم يكُن المطَّلبُ يومئذٍ أسلم، ومهما ثبت من ذلك، فلعلَّ ابن مسعودٍ لم يره، أو خصَّ واحداً بذكره لاختصاصه بأخذ الكفِّ من التُّراب دون غيره، انتهى ملخَّصاً.
          (أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى، أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ) أي: وسجد عليه كما في النَّجم، وفي بعض النُّسخ: <إلى وجهه> (وَقَالَ: يَكْفِينِي) بفتح التحتية أوله (هَذَا) أي: الفعلُ المذكور، قيل: فعل ذلك أنفَةً واستكباراً، وقيل: أراد الشُّهرةَ (قَالَ) أي: ابن مسعودٍ، وسقطت: <قال> من أكثر النُّسخِ؛ لكنها مرادةٌ (فَرَأَيْتُهُ بَعْدُ) بالبناء على الضم لأبوي ذرٍّ والوقت والأصيليِّ ولغيرهم: <بعد ذلك>، فصرَّح بالمضاف إليه، فـ((بعدَ)) منصوبةٌ على الظرفية (قُتِلَ كَافِراً) حال من نائب فاعل: ((قتل))، وكان قُتِل ببَدرٍ.
          تنبيه: قال في ((الفتح)): أفاد المصنِّف في رواية إسرائيل أن النَّجم أوَّلُ سورةٍ أُنزِلت فيها سجدة، وهذا هو السِّرُّ في بداءة المصنِّف في هذه الأبواب بهذا الحديث، واستشكلَ بأنَّ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، أول السُّور نزولاً، وفيها أيضاً سجدةٌ، فهي سابقةٌ على النَّجم، وأجيب: بأن السَّابقَ من {اقْرَأْ}، أوائلها، وأمَّا بقيَّتها فنزل بعد ذلك بدليل قصَّة أبي جهلٍ في نهيه للنَّبيِّ صلعم عن الصَّلاة، أو الأوليَّةُ مقيَّدةٌ بشيءٍ محذوف بيَّنته رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عند ابن مردويه بلفظ: ((إن أوَّل سورَةٍ استعلن بها رسول الله صلعم {وَالنَّجم}))، وله من رواية عبد الكبير بن دينارٍ عن أبي إسحاقَ: ((إن أوَّل سورةٍ تلاها على المشركين))، فذكره، فيجمع بين الرِّوايات الثَّلاث بأن المراد: أوَّل سورةٍ فيها سجدةٌ تلاها جهراً على المشركين.
          والحديثُ أخرجه المصنِّفُ أيضاً في مبعث النَّبيِّ صلعم والمغازي والتفسير، وأبو داود والنسائيُّ فيه أيضاً.