الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب سجدة تنزيل السجدة

          ░2▒ (بَابُ سَجْدَةِ تَنْزِيلِ السَّجْدَةِ) أي: هذه السُّورة بجرِّ ((تنزيلِ)) على الإضافة، وبرفعه على الحكاية، وبجرِّ ((السجدةِ)) عطف بيانٍ لتنزيل.
          قال ابن بطَّال: أجمعوا على السُّجود فيها، وإنَّما اختلفوا في السُّجود بها في الصَّلاة، وتقدَّم الكلامُ على ذلك مستوفًى في باب ما يقرأ في صلاة الفجرِ يوم الجمعة.
          ومنه: أنَّه يسنُّ المداومة على قراءتهما في صلاةِ الفجر كلَّ جمعة، ولا التفاتَ إلى إيهام العامَّةِ الوجوب، كما نظرَ إليه الحنفيَّةُ وأحمد في المشهور عنه، فقالوا: يسنُّ ترك قراءتهما أحياناً لئلا يوهم العامَّةُ إيجابهما، واستحباب قراءتهما في صبح الجُمُعة مذهب جمهور العلماء من الصَّحابة والتَّابعين، والأئمَّةِ المجتهدين، خلافاً لمالكٍ على ما في ((المدونة)) فإنَّهُ كره للإمام أن يقرأ بسورةٍ فيها سجدة خوفاً من التَّخليطِ على المصلِّين، ولا يستحبُّ قراءة غير هاتين السُّورتين مما فيه سجدةٌ في صبحها، بل إن ضاق الوقت عن كمالهما قرأ غيرهما قصِيرتين، كما اعتمدهُ في ((التحفة)) خلافاً للفارقيِّ، فإنَّه قال: يقرأ بعض كل منهما ولو آية السَّجدةِ فيسجد، واعتمدهُ الرَّمليُّ، ويكره أن يقرأَ سورةً فيها سجدة غيرهما بقصد السُّجود.
          قال النَّوويُّ: قياس مذهبنا: أنَّه يكره إذا قصده.
          وقال في ((فتح الباري)): وقد أفتى ابنُ عبد السلام قبلهُ بالمنع، وببطلان الصَّلاة بقصد ذلك _أي: إذا سجد_ والحكمةُ في اختصاصِ الجمعة بقراءة هاتين السورتين: الإشارةُ إلى ما / فيهما من ذكر خلق آدم، وأحوال يوم القيامة؛ لأنَّ الأوَّل كان، والثاني يكون يومها، ولاشتمال السَّجدةِ على طالب السُّجود.