إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب

          5641- 5642- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا(1) عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو) بكسر اللام وفتح العين، أبو عامر العَقَدِيُّ قال: (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ) أبو المنذر التَّميميُّ تُكُلِّمَ في حفظهِ، لكن رواية البصريين عنه صحيحة بخلاف روايةِ الشَّاميين، ولم يُخرِّج له المؤلِّف إلَّا هذا الحديث وآخر [خ¦6229] وتابعَه على الأوَّل الوليد بن كثير، كما في مسلم (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ) بحاءين مهملتين مفتوحتين ولامين الأولى ساكنة (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بالسين المهملة المخففة‼ بعد التحتية (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد بنِ مالك (الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عبد الرَّحمن بن صخرٍ ☻ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ) تعب (وَلَا وَصَبٍ) مرض، أو مرض دائم ملازم (وَلَا هَمٍّ) بفتح الهاء وتشديد الميم (وَلَا حَزَنٍ) بفتحتين، ولغير أبي ذرٍّ: ”ولا حُزْن“ بضم فسكون. قال في «الفتح»: هما من أمراضِ الباطنِ، ولذلك ساغ عطفهما على الوصبِ. انتهى. وقيل: الهمُّ يختصُّ بما هو آتٍ، والحَزَنُ بما مضى (وَلَا أَذًى) يلحقُه من تعدِّي الغير عليه (وَلَا غَمٍّ) بالغين المعجمة وهو ما يُضيِّقُ على القلب، وقيل: إنَّ الهمَّ ينشأ عن الفكرِ فيما يُتوقَّع حصولُه ممَّا يُتأذى به، والحزن يحدث لفقدِ ما يشقُّ على المرءِ فقدُه، والغمُّ كربٌ يحدثُ للقلبِ بسببِ ما حصل / . وقال المُظَهَّريُّ: الغمُّ الحَزَنُ الَّذي يغم الرجل، أي: يصيِّره بحيث يقربُ أن يُغمى عليه، والحَزَنُ أسهلُ منه (حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا) قال السَّفاقِسيُّ: حقيقة قوله: «يُشَاكها» أن يدخلَها غيرُه في جسدهِ. يُقال: شُكْته أَشُوكه(2). قال الأصمعيُّ: ويقال: شاكتْنِي تَشُوكني إذا دخلتْ هي، ولو كان المرادُ هذا لقيل تَشُوكه، ولكن جعلها هي مفعولة، وهذا يردُّه ما في «مسلم» من روايةِ هشام بنِ عروةَ «ولا يصيْبُ المؤمنَ شوكةٌ» فأضاف الفعلَ إليها وهو الحقيقة، ولكنَّه لا يمنع إرادةَ المعنى الأعم، وهو أن تدخلَ هي بغير إدخالِ أحدٍ، أو بفعلِ أحدٍ (إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) ولابن حبَّان: «إلَّا رفعَه الله بها درجةً وحطَّ عنه بهَا خطيئةً» وفيه حصولُ الثَّواب ورفع العقاب.
          وفي حديث عائشة عند الطَّبرانيِّ في «الأوسط» بسندٍ جيدٍ من وجهٍ آخر «ما ضَربَ على مؤمنٍ عرق إلَّا حطَّ الله به عنهُ خطيئةً(3)، وكتبَ له به حسنةً، ورفعَ له درجةً». وفي حديثِ عائشة عند الإمام أحمد وصحَّحه أبو عَوَانة والحاكمُ: أنَّ رسولَ الله صلعم طرقَه وجعٌ، فجعلَ يتقلَّبُ على فراشهِ ويشتكِي، فقالت له(4) عائشةُ: لو صنعَ هذا بعضُنَا لوَجِدْتَ عليه، فقال: «إنَّ الصَّالحين يُشدَّدُ عليهم، وإنَّه لا يصيبُ المؤمنَ نَكْبَةٌ تَشُوكه» الحديث. وفيه ردٌّ على قول القائل: إنَّ الثَّواب والعقاب إنَّما هو على الكسْبِ، والمصائبُ ليستْ منه بل الأجرُ على الصَّبر عليها والرِّضا بها، فإنَّ الأحاديثَ الصَّحيحة صريحة في ثبوتِ الثَّواب بمجرَّد حصولها، وأمَّا الصَّبر والرِّضا فقدرٌ زائدٌ لكن(5) الثَّواب عليه زيادة على ثوابِ المصيبة.
          وحديث الباب أخرجه مسلمٌ(6) في «الأدبِ»، والتِّرمذيُّ(7) في «الجنائز».


[1] في (م): «حدثني».
[2] في (م): «يقال شكتنا شوكة».
[3] قوله: «وفيه حصول ... عنه خطيئة» ليس في (م).
[4] «فقالت له»: ليست في (م).
[5] في (د): «يمكن».
[6] في (م): «المصنف»، وفي (د): «المؤلف».
[7] في (م) و(د): «مسلم».