إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما جاء في كفارة المرض

          ░1▒ (بابُ مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ المَرَضِ) ولأبي ذرٍّ _كما في الفرع_ ”كتاب المرضى“. وقال في «الفتح»: ”كتاب المرضى، باب ما جاءَ في كفَّارة المرض“ كذا لهم إلَّا أنَّ البسملةَ سقطَتْ لأبي ذرٍّ، وخالفَهم النَّسفي فلم يُفرِد «كتاب المرضَى» من «كتاب الطِّب»، بل صدَّر بـ «كتاب الطِّبِّ» ثمَّ بسمل ثمَّ ذكر «باب ما جاءَ في كفَّارة المرض»، واستمرَّ على ذلك إلى آخر كتاب الطِّبِّ ولكلٍّ وجه، والمرضى: جمع: مريض، والمرض: خروجُ الجسم عن المجرى الطَّبيعي، ويعبَّر عنه بأنَّه حالةٌ تصدر بها(1) الأفعال خارجة عن الموضوع لها غير سليمة. والكفَّارة: صيغةُ مبالغةٍ من الكَفرِ وهو التَّغطية / ، ومعناهُ: أنَّ ذنوبَ المؤمن تتغطَّى بما يقعُ له من ألم المرضِ، وقوله: «كفَّارة المرضِ» هو من الإضافةِ إلى الفاعلِ، وأسندَ التَّكفير للمرض لكونه سببهُ. وقال في «الكواكب»: الإضافةُ بيانيَّة كنحو: شجر الأراك أي: كفَّارة هي مرض، أو الإضافة بمعنى في كأنَّ المرض ظرفٌ للكفَّارة، بل(2) هو من بابِ إضافةِ الصِّفة إلى الموصوفِ، وبهذا يُجاب عن استشْكَال أنَّ المرضَ ليست له كفَّارة بل هو الكفَّارة نفسها لغيرهِ.
          (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) في سورة النساء: ({مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء:123]) استدلَّ بهذه الآية المعتزلةُ على أنَّه تعالى لا يعفو عن شيءٍ من السَّيِّئات. وأُجيب بأنَّه يجوز أن يكون المرادُ من هذا ما يصلُ للإنسان(3) في الدُّنيا من الهمومِ والآلامِ والأسقامِ، ويدلُّ له آية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا}[المائدة:38] وقد رُوي‼: أنَّه لما نزلت هذه الآيةُ قال أبو بكر الصِّدِّيق: كيف الفلاحُ(4) بعد هذه الآية؟ فقال صلعم : «غفرَ الله لكَ يا أبا بكرٍ، ألسْتَ تمرضُ؟ ألستَ تنصبُ؟ ألستَ تحزنُ؟ ألستَ تصيبكَ اللأواء» قال: بلى. قال: «فهو ما تُجزون به». رواه أحمدُ وعبدُ بن حُميد وصحَّحه الحاكم، ورواهُ غيرهم أيضًا، وعند أحمدَ والبيهقيِّ وحسَّنه التِّرمذيُّ عن آمنة(5) بنت عبد الله قالتْ: سألتُ عائشة عن هذه الآية: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء:123] فقالتْ: سألتُ عنها رسولَ الله صلعم فقال: «يا عائشةُ، هذه مبايعةُ(6) الله العبدَ بما يصيبُهُ من الحمى والحَزَنِ والنَّكْبة حتَّى البِضَاعَةِ يضعُهَا في كفِّه فيفقِدُها فيفزَعُ لها، فيجِدُها تحت ضِبْنِه(7) حتَّى إنَّ العبدَ ليخرجُ من ذنوبهِ، كما يخرجُ التِّبر الأحمرُ من الكِيْرِ(8)».


[1] في (م) و(د): «عنها».
[2] في (م): «أو»، كذا في «الكواكب الدراري».
[3] في (د): «إلى الإنسان».
[4] في (د): «الصلاح»، وكذا في «المسند والمستدرك».
[5] في (د) و(م): «أميمة»، وفي (ج) و(ل): «أُميَّة».
[6] هكذا في الأصول، وهو موافق لما في تفسير ابن كثير والدر المنثور وغيره، والذي في الطيالسي وأحمد «متابعة» وفي الترمذي والبيهقي: «معاتبة».
[7] في (د) و(م): «جنبه».
[8] في (م): «الكبريت».