إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من ذبح قبل الصلاة فليعد فقال رجل

          5561- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) ابن عليَّة، نسبةً إلى أمِّه الأسديُّ البصريُّ (عَنْ أَيُّوبَ) / السَّختيانيِّ (عَنْ مُحَمَّدٍ) هو ابنُ سيرين (عَنْ أَنَسٍ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَنْ ذَبَحَ) أضحيتَهُ (قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ(1)) أي: الذَّبح (فَقَالَ رَجُلٌ) هو أبو بردة: يا رسول الله (هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ) لما جرت العادة فيه من كثرةِ الذَّبح، فتتشوَّف النَّفس له وتلتذُّ بأكله (_وَذَكَرَ هَنَةً) بفتح الهاء والنون المخففة، حاجةً (مِنْ جِيرَانِهِ) لجيرانه إلى اللَّحم وفقرِهم، وثبت قوله: «هنة» لابن عَساكرَ وأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ (فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صلعم ) بتشديد النون (عَذَرَهُ_) بتخفيف الذال المعجمة، أي: قَبِلَ عذرَه، لكنَّه لم يجعل ذلك كافيًا في مشروعيَّة الأضحية، ولذا أمرهُ بالإعادة (وَعِنْدِي جَذَعَةٌ) من المعز، عطف(2) على قول أبي بردة(3) الَّذي ذكر الرَّاوي عنه أنَّه ذكر هَنَة من جيرانه، والتَّقدير: هذا يوم يُشتهى فيه اللَّحم ولجيرانِي حاجةٌ، فذبحتُ قبل الصَّلاة، وعندي جذعةٌ (خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ) لطيبها سِمنًا ونفاسة.
          فإن قلت: كيف تكون واحدة(4) خيرًا من أضحيتين بل العكسُ أولى، كما(5) في صورة الإعتاق، فإن إعتاق الرَّقبتين خيرٌ من إعتاق واحدةٍ ولو كانت أنفسَ منهما(6)؟ أُجيب بأنَّ المقصود من(7) الضَّحايا طيب اللَّحم وكثرته، فشاةٌ سمينةٌ أفضل من هزيلتين، وأمَّا العتق فالمقصود منه التَّقرُّب إلى الله تعالى بفكِّ الرَّقبة فيكون عتق(8) الاثنتين أفضل من عتقِ الواحدة. نعم، إن عرضَ للواحد وصفٌ يقتضي رفعته على غيره _كالعلم وأنواع الفضل المتعدِّي_ فذهب بعض المحقِّقين إلى أنَّه أفضلُ لعموم نفعهِ للمسلمين.
          (فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ صلعم ) في الأضحية بجذعةِ المعز، وسقط قوله: «النَّبيُّ...» إلى آخره لأبي ذرٍّ، وقال أنس: (فَلَا أَدْرِي بَلَغَتِ(9) الرُّخْصَةُ) أي: مَنْ سواه من النَّاس، ولأبي ذرٍّ: ”أبلغت الرُّخصة(10)“ (أَمْ لَا، ثُمَّ انْكَفَأَ) بالهمز، أي: رجع صلعم (إِلَى كَبْشَيْنِ، يَعْنِي: فَذَبَحَهُمَا) بيده الكريمة (ثُمَّ انْكَفَأَ) رجعَ (النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ) بضم الغين المعجمة وفتح النون (فَذَبَحُوهَا).
          وهذا الحديثُ سبق في «باب ما يشتهى من اللَّحم» [خ¦5549].


[1] في (د) و(م): «فليعده».
[2] «عطف»: ليست في (د) و(ص) و(م).
[3] في (د) زيادة: «أي».
[4] في (ل): «واحدًا».
[5] في (ص) زيادة: «هو».
[6] في (د) و(ص) و(م): «منها».
[7] في (د) و(ص) و(م): «في».
[8] في (م) زيادة: «الرقبتين».
[9] في (م): «بلغته».
[10] «الرخصة»: ليست في (د).