إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن النبي قضى أن اليمين على المدعى عليه

          2514- وبه قال: (حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى) بن صفوان السُّلميُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ) ابن عبد(1) الله الجمحيُّ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بضمِّ الميم وفتح اللَّام وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة كافٌ، هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسمه زهيرٌ، المكِّيِّ الأحول، وكان قاضيًا لابن الزُّبير، أنَّه (قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ ، أي: أسأله في قضيَّة امرأتين ادَّعت إحداهما على الأخرى؛ كما سيأتي في «تفسير سورة آل عمران» [خ¦4552] ففيه حذف المفعول (فَكَتَبَ إِلَيَّ: أَـإِنَّ النَّبِيَّ صلعم ) بكسر «إنَّ» على الحكاية، وبفتحها على تقدير الجارِّ، أي: بأنَّ النَّبيَّ صلعم (قَضَى أَنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ) قال العلماء: والحكمة في كون البيِّنة على المدَّعي واليمين على المُدَّعى عليه: أنَّ جانب المُدَّعي ضعيفٌ؛ لأنَّه يقول(2) خلاف الظَّاهر، فكُلِّف الحجَّة القويَّة؛ وهي البيِّنة، وهي لا تجلب لنفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضررًا، فيقوى بها ضعف المدَّعي، وجانب المُدَّعى عليه قويٌّ؛ لأنَّ الأصل فراغُ ذمَّته، فاكتُفِي فيه بحجَّةٍ ضعيفةٍ وهي اليمين؛ لأنَّ الحالف يجلب لنفسه النَّفع ويدفع الضَّرر فكان ذلك في غاية الحكمة، نعم؛ قد يجعل اليمين في جانب المدَّعي في مواضع تُستثنَى لدليلٍ؛ كأيمان القسامة ودعوى القيمة في المُتلَفات، ونحو ذلك، كما هو مبسوطٌ في محلِّه من كتب الفقه، ويأتي _إن شاء الله تعالى_ في محلِّه(3) من هذا الكتاب، ومذهب الشَّافعيَّة(4) في مسألة الرَّهن تصديق الرَّاهن بيمينه حيث لا بيِّنة؛ لأنَّ الأصل عدم رهن ما ادَّعاه المرتهن، فإن قال الرَّاهن: لم تكن الأشجار موجودةً عند العقد بل أحدثتها؛ فإن لم يتصوَّر حدوثها بعده فهو كاذبٌ وطُولِب بجواب الدَّعوى، فإن أصرَّ على إنكار وجودها عند العقد جُعِل ناكلًا وحَلَفَ المرتهنُ، وإن لم يُصِرَّ عليه واعترف بوجودها وأنكر رهنها؛ قَبِلْنا منه إنكاره؛ لجواز صدقه في نفي الرَّهن، وإن كان قد بان كذبه في الدَّعوى الأولى؛ وهي نفي الوجود، أمَّا إذا تصوَّر حدوثها بعد العقد؛ فإن لم يمكن وجودُها عنده صُدِّق بلا يمينٍ، وإن أمكن وجودُها وعدمُه عنده؛ فالقول قوله بيمينه لما مرَّ، فإن حلف فهي كالأشجار الحادثة بعد الرَّهن في القلع وسائر الأحكام، وقد مرَّ بيانها، هذا إن كان رهنَ تبرُّعٍ، فإن اختلفا في رهنٍ مشروطٍ في بيعٍ بأن اختلفا في اشتراطه فيه، أو اتَّفقا عليه واختلفا في شيءٍ ممَّا سبق؛ تحالفا كسائر صور البيع إذا اختلف فيها، نعم إن اتَّفقا على اشتراطه فيه واختلفا في أصله فلا تحالُفَ؛ لأنَّهما لم يختلفا في كيفيَّة البيع، بل يُصدَّق الرَّاهن، وللمرتهن‼ الفسخ إن لم يَرْهَنْ.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الشَّهادات» [خ¦2668] و«تفسير آل عمران» [خ¦4552]، ومسلمٌ والتِّرمذيُّ وابن ماجه في «الأحكام»، وأبو داود والنَّسائيُّ في «القضايا».


[1] في (د1) و(ص): «عبيد»، وهو تحريفٌ.
[2] «يقول»: ليس في (م).
[3] في (د1) و(ص) و(م): «في محلِّه إن شاء الله تعالى».
[4] في (د): «الشَّافعيِّ».