إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين

          2434- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) ابن عبد ربِّه، السَّختيانيُّ البلخيُّ المعروف بختٍّ قال: (حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) القرشيُّ / ، أبو العبَّاس الدِّمشقيُّ قال: (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ) عبد الرَّحمن بن عمرٍو (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ) بالمُثلَّثة، واسمه صالحٌ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد أيضًا (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوفٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد أيضًا (أَبُو هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ(1) صلعم مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ) عقب ما(2) قَتَلَ رجلٌ من خزاعة رجلًا من بني ليثٍ راكبًا على راحلته، فخطب (فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ) بالفاء المكسورة والمُثنَّاة التَّحتيَّة السَّاكنة، وهو المذكور في التَّنزيل في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[الفيل:1] ولغير الكُشْمِيْهَنِيِّ _كما في «الفتح»_: ”القَتْل“ بالقاف المفتوحة والفوقيَّة السَّاكنة، والصَّواب الأوَّل، والذي في الفرع كأصله(3): ”القتل“ بالوجهين لأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ (وَسَلَّطَ عَلَيْهَا) على مكَّة (رَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ) أي: لم تحلَّ (لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي) بضمِّ الهمزة وكسر الحاء المهملة، أي: أن أقاتل فيها (سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هي ساعة الفتح (وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ) ولأبي ذرٍّ: ”لن تحلَّ“ (لأَحَدٍ بَعْدِي) ولأبي ذرٍّ: ”من بعدي“ (4) (فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا) بالرَّفع نائبًا عن الفاعل، أي: لا يجوز لمحرمٍ ولا حلالٍ(5) (وَلَا يُخْتَلَى) أي: لا يُقطَع (شَوْكُهَا) بالرَّفع أيضًا كسابقه (وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا) لقطتها (إِلَّا لِمُنْشِدٍ) معرِّفٍ يعرِّفها ويحفظها لمالكها، ولا يتملَّكها كسائر اللُّقطات في غيرها من البلاد (وَمَنْ قُتِلَ) بضمِّ القاف وكسر التَّاء (لَهُ قَتِيلٌ) بالرَّفع نائبًا عن الفاعل (فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُفْدَى) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول، أي: يُعطَى الدِّية (وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ) بضمِّ أوَّله وكسر ثانيه(6)، أي: يقتصَّ (فَقَالَ العَبَّاسُ) بن عبد المطَّلب ☺ : (إِلَّا الإِذْخِرَ، فَإِنَّا) وللحَمُّويي والمُستملي: ”فإنَّما“ (نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا) نمِّهدها به، ونسدُّ به فرج(7) اللَّحد المتخلِّلة بين اللَّبِنات (وَ) سُقُف (بُيُوتِنَا) نجعله فوق الخشب، والمعنى: ليكن الإذخر استثناءً(8) من كلامك يا رسول الله، فيتمسَّك به من يرى انتظام الكلام من متكلِّمين، لكنَّ التَّحقيق في المسألة أنَّ كلًّا من المتكلِّمين إذا كان ناويًا لما يلفظ به الآخر، كان كلٌّ متكلِّمًا(9) بكلامٍ تامٍّ، ولهذا لم يكتف في هذا الحديث بقول العبَّاس: «إلَّا الإذخر» (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِلَّا الإِذْخِرَ) وذلك إمَّا بوحيٍ أو إلهامٍ أو اجتهادٍ على الخلاف المشهور في مثله (فَقَامَ أَبُو شَاهٍ) بالهاء الأصليَّة منوَّنةً، وهو مصروفٌ، قال عياضٌ: كذا ضبطه بعضهم وقرأته أنا معرفةً ونكرةً، ونقل ابن الملقِّن عن ابن دحية أنَّه بالتَّاء منصوبًا، قال في «المصابيح»: لا يُتصوَّر نصبه‼؛ لأنَّه مضافٌ إليه في مثل هذا العَلَم دائمًا، وإنَّما مراده: أنَّه مُعرَبٌ بالفتحة في حال الجرِّ لكونه غير منصرفٍ؛ وذلك لأنَّ القاعدةَ في العَلَم ذي الإضافة اعتبارُ حال المضاف إليه بالنِّسبة إلى الصِّرف وعدمه، وامتناع دخول اللَّام(10) ووجوبها، فيمتنع مثلُ هذا، ومثلُ: «أبي هريرة» من الصَّرف، ومن دخول الألف واللَّام، وينصرف مثل: «أبي بكرٍ»، وتجب اللَّام في مثل: «امرئ القيس»، وتجوز في مثل: «ابن العبَّاس(11)». انتهى. و(12) أبو شاه: (رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ) ويُقال: إنَّه كلبيٌّ، ويُقال: فارسيٌّ، من الأبناء الذين قدموا اليمن في نصرة سيف بن(13) ذي يزن، قال في «الإصابة»: كذا رأيته بخطِّ السِّلَفيِّ، وقال: إنَّ هاءه أصليَّةٌ، وهو بالفارسيِّ، ومعناه: الملك، قال(14): ومن ظنَّ أنَّه(15) باسم أحد الشِّياه فقد وهم. انتهى.
          (فَقَالَ) أي: أبو شاهٍ: (اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللهِ) يعني: الخطبة المذكورة (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ) قال الوليد بن مسلمٍ: (قُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ) عبد الرَّحمن: (مَا قَوْلُهُ) أي: أبي شاهٍ (اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: هَذِهِ الخُطْبَةَ) بالنَّصب على المفعوليَّة، ولأبي ذرٍّ: ”قال: هذه الخطبةُ“ بالرَّفع (الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ).
          وفي هذا الحديث ثلاثةٌ من المدلِّسين على نسقٍ واحدٍ، لكن قد صرَّح كلُّ واحدٍ من رواته بالتَّحديث، فزالت التُّهمة، وفيه رواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ عن الصَّحابيِّ، وأخرجه مسلمٌ في «الحجِّ»، وكذا أبو داود وفي «العلم» و«الدِّيات»، والنَّسائيُّ في «العلم»، والتِّرمذيُّ وابن ماجه في «الدِّيات».


[1] في (د): «رسول الله»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[2] «ما»: ليس في (د1) و(م).
[3] «كأصله»: ليس في (م).
[4] قوله: «وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ،... ولأبي ذرٍّ: من بعدي» سقط من (م).
[5] في (ب) و(س): «لحلالٍ»، وفي (د): «لحالٍ».
[6] في (د): «ثالثه»، وهو تحريفٌ.
[7] في (ص): «بها فروج».
[8] في (د): «مستثنًى».
[9] في (ل): «كلٌّ متكلِّم».
[10] في (د): «الألف واللَّام»، وهو بمعناه.
[11] في (د): «عبَّاس».
[12] زيد في (ص): «أمَّا».
[13] «بن»: سقط من (د).
[14] «قال»: ليس في (ص).
[15] «أنَّه»: سقط من (د1) و(ص).