إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام

          ░2▒ (باب مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ) السَّفه: ضدُّ الرُّشد الذي هو صلاح الدِّين والمال (وَ) أَمْرَ (الضَّعِيفِ العَقْلِ) وهو أعمُّ من السَّفيه (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الإِمَامُ) وهذا مذهب ابن القاسم، وقَصَرَه(1) أصبغُ على من ظهر سَفَهُه، وقال الشَّافعيَّة: لا يُرَدُّ مطلقًا إلَّا ما تصرَّف بعد الحجر.
          (وَيُذْكَرُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه (عَنْ جَابِرٍ) هو ابن عبد الله الأنصاريِّ ( ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ) ولأبي ذرٍّ: ”أنَّ النَّبيَّ“ ( صلعم رَدَّ عَلَى المُتَصَدِّقِ) المحتاج لما تصدَّق به (قَبْلَ النَّهْيِ، ثُمَّ نَهَاهُ) أي: عن مثل هذه الصَّدقة بعد ذلك، ومراده: ما رواه عبد بن حُمَيدٍ موصولًا في «مسنده» من طريق محمود بن لبيدٍ عن جابرٍ في قصَّة الذي أتى بمثل البيضة من ذهبٍ أصابها في معدنٍ، فقال: يا رسول الله، خذها منِّي صدقةً، فوالله ما لي مالٌ غيرها، فأعرض عنه، فأعاد، فحذفه بها، ثمَّ قال: «يأتي أحدكم بماله لا يملك غيره فيتصدَّق به، ثمَّ يقعد بعد ذلك يتكفَّف النَّاس، إنَّما الصَّدقة عن ظهر غنًى»، ورواه أبو داود وصحَّحه ابن خزيمة؛ كذا قاله ابن حجرٍ في «المقدِّمة»، وزاد في الشَّرح: ثمَّ ظهر لي أنَّ البخاريَّ إنَّما أراد قصَّة الذي دبَّر عبده فباعه النَّبيُّ صلعم [خ¦2534] كما قاله عبد الحقِّ، وإنَّما لم يجزم، بل عبَّر بصيغة التَّمريض؛ لأنَّ القدر الذي يحتاج إليه في التَّرجمة ليس على شرطه، وهو من طريق أبي الزُّبير عن جابرٍ أنَّه قال: أعتق رجلٌ من بني عُذْرة عبدًا له عن دبرٍ، فبلغ ذلك رسول الله صلعم فقال: «ألك مال غيره؟» فقال: لا... الحديث، وفيه: ثمَّ قال: «ابدأ بنفسك فتصدَّق عليها، فإن فضل شيءٌ فلأهلك...»‼ الحديث، وهذه الزِّيادة تفرَّد بها أبو الزُّبير وليس هو من شرط البخاريِّ، والبخاريُّ(2) لا يجزم غالبًا إلَّا بما كان على شرطه (وَقَالَ مَالِكٌ) الإمام الأعظم ممَّا أخرجه ابن وهبٍ في «المُوطَّأ» عنه: (إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ، وَلَهُ عَبْدٌ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ) وهذا استنبطه من قصَّة المدبَّر السَّابقة.


[1] زيد في (ص): «ابن»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (5/87).
[2] «والبخاريُّ»: ليس في (د1) و(ص).