إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عمر: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح

          990- 991- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ في نسخةٍ: ”حدَّثنا“ (مَالِكٌ) الإمامُ (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ) كلاهما (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) ابن الخطَّاب ☻ (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ) قيل: هو ابن عمر، كما (1) في «المعجم الصَّغير»، وعُورِض بروايةِ عبد الله بن شقيقٍ، عن ابن عمر عند «مسلم»: «أنَّ رجلًا سأل النَّبيَّ صلعم وأنا بينه وبين السَّائل»، وقيل: هو من أهل البادية، ولا تنافيَ لاحتمال تعدُّد مَن سأل (رَسُولَ اللهِ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”سأل النَّبيَّ“ ( صلعم عَنْ) عدد (صَلَاةِ اللَّيْلِ) أو: عن الفصل والوصل (فَقَالَ رَسُولُ الله(2) صلعم : صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) غير مصروف للعَدْل والوصف، والتَّكرير للتَّأكيد لأنَّه في معنى: اثنين اثنين، واثنين اثنين: أربع مراتٍ، والمعنى: يسلِّم من(3) كلِّ ركعتين، كما فسَّره به ابن عمر في حديثه عند «مسلمٍ»، واسْتُدِلَّ بمفهومه للحنفيَّة(4) على أنَّ الأفضل في صلاة النَّهار أن تكون أربعًا، وعورض بأنَّه مفهومُ لقبٍ، وليس حجَّةً على الرَّاجح، ولئن سلَّمناه لا نسلِّمُ الحصرَ في الأربع، على أنَّه قد تبيَّن من روايةٍ أخرى أنَّ حكمَ المسكوت عنه حكمُ المنطوق به، ففي «السُّنن» وصحَّحه ابن خزيمة وغيره من طريق عليٍّ الأزديِّ، عن ابن عمر مرفوعًا: «صلاة اللَّيل والنَّهار مثنى مثنى»، لكنَّ أكثر أئمَّة الحديث أعلُّوا هذه الزِّيادة _وهي قوله: «والنَّهار»_ بأنَّ الحفَّاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه، وحكَم النَّسائيُّ على راويها بأنَّه أخطأ فيها. (فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ) أي: فوات صلاة الصُّبح (صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ) تلك الرَّكعةُ‼ الواحدة (مَا قَدْ صَلَّى) فيه: أنَّ أقلَّ الوتر ركعةٌ، وأنَّها تكون مفصولةً بالتَّسليم ممَّا قبلها، وبه قال الأئمَّةُ الثَّلاثةُ خلافًا للحنفيَّةِ حيث قالوا: يُوتَر بثلاثٍ كالمغرب لحديث عائشة: أنَّه صلعم كان يُوتِر بها(5)، كذلك رواه الحاكم وصحَّحه. نعم قال الشَّافعية: لو أوتر بثلاثٍ موصولةٍ فأكثر وتشهَّد في الأخيرتين أو في / الأخيرة جاز للاتِّباع، رواه مسلمٌ، لا إِنْ تشهَّد في غيرهما فقط، أو معهما، أو مع أحدهما لأنَّه خلاف المنقول، بخلاف النَّفل المطلق لأنَّه لا حصر لركعاته وتشهُّداته، لكنَّ الفصل ولو بواحدةٍ أفضلُ من الوصل لأنَّه أكثر أخبارًا وعملًا، ثمَّ الوصل بتشهُّدٍ أفضل منه بتشهُّدين، فرقًا بينه وبين المغرب، وروى الدَّارقُطنيُّ بإسنادٍ رواته ثقاتٌ حديثَ: «لا توتروا بثلاثٍ، ولا تشبِّهوا الوتر بصلاة المغرب»، وثلاثةٌ موصولةٌ أفضل من ركعةٍ(6) لزيادة العبادة، بل قال(7) القاضي أبو الطَّيب: إنَّ الإيتار بركعةٍ مكروهٌ. انتهى. واستدلَّ به المالكيَّة على تعيين الشَّفع قبل الوتر لأنَّ المقصود من الوتر أن تكون الصَّلاةُ كلُّها وترًا لقوله ╕ : «صلَّى ركعةً تُوتِر له ما قد صلَّى»، وأُجيبَ بأنَّ سبقَ الشَّفعِ شرطٌ في الكمال لا في الصِّحَّة لحديث أبي داود والنَّسائيِّ _وصحَّحه ابن حبَّان_ عن أبي(8) أيُّوبَ مرفوعًا: «الوترُ حقٌّ، فمن شاء أوتر بخمسٍ، ومن شاء بثلاثٍ، ومن شاء بواحدةٍ». (وَعَنْ نَافِعٍ) بالإسناد السَّابق، كما قاله الحافظ ابن حجرٍ، وقال العينيُّ: إنَّما هو معلَّقٌ، ولو كان مسندًا لم يفرِّقه: (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ (كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الوِتْرِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ) ظاهره أنَّه كان يصلِّي الوتر موصولًا، فإن عرضت له حاجةٌ فَصَل ثمَّ بنى على ما مضى، وعند سعيد بن منصور بإسنادٍ صحيحٍ عن بكر ابن عبد الله المزنيِّ قال: «صلَّى ابن عمر ركعتين، ثمَّ قال: يا غلامُ، اِرْحَل لنا، ثم قام فأوترَ بركعةٍ».
          وهذا الحديثُ الأوَّل أخرجه أبو داود والنَّسائيُّ.


[1] زيد في (ب) و(د) و(س): «هو».
[2] «رسول الله»: سقط من (ب) و(س).
[3] في (ص): «في».
[4] في (م): «الحنفيَّة».
[5] «بها»: ليس في (د).
[6] في (د): (ركعتين)، وليس بصحيحٍ.
[7] في (د): «قاله»، وليس بصحيحٍ.
[8] «أبي»: سقط من (ص).