إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله صلى الصبح بغلس

          947- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مسرهدٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) ولأبي ذَرٍّ: ”حمَّاد بن زيدٍ“ (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ) بمُوحَّدةٍ مضمومةٍ ونونين بينهما ألفٌ وآخره ياء النَّسب، كلاهما (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) سقط من(1) رواية ابن عساكر «بن مالكٍ»: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم صَلَّى الصُّبْحَ) عند خيبر (بِغَلَسٍ) أي: في أوَّل وقتها، على عادته الشَّريفة، أو لأجل مبادرته إلى الرُّكوب (ثُمَّ رَكِبَ، فَقَالَ) لمَّا أشرف على خيبر: (اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ) ثقةً بوعد الله تعالى حيث يقول: { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ. وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }[الصافات:171-173] إلى قوله: { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ }[الصافات:177] فلمَّا نزل جند الله بخيبر مع الصَّباح لزم الإيمان بالنَّصر وفاءً بالعهد، ويبيِّن هذا قوله(2): (إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ) أي: بفنائهم(3) (فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ) أي: فبئس صباح المنذرين صباحهم، فكان ذلك تنبيهًا على مصداق الوعد بمجموع الأوصاف. (فَخَرَجُوا) أي: أهل خيبر، حال كونهم (يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ) بكسر السِّين، جمع سكَّةٍ، أي: في أزقَّة خيبر (وَيَقُولُونَ): جاء، أو هذا (مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ) برفع «الخميس» عطفًا على سابقه، ونصبه على المفعول معه. (قَالَ: وَالخَمِيسُ): هو (الجَيْشُ) لانقسامه إلى خمسةٍ: ميمنةٍ وميسرةٍ وقلبٍ ومُقدِّمةٍ وساقةٍ. (فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلعم ، فَقَتَلَ) النُّفوس (المُقَاتِلَةَ) بكسر المُثنَّاة الفوقيَّة، أي(4): وهي(5) الرِّجال (وَسَبَى الذَّرَارِيَّ) بالذَّال المُعجَمة وتشديد الياء وتخفيفها، كالعواري(6)، جمع ذُرِّيَّةٍ، وهي الولد، والمراد بـ «الذَّراري»: غير المقاتلة (فَصَارَتْ صَفِيَّةُ) بنت حُيَيٍّ سيِّدِ(7) بني قريظة والنَّضير (لِدِحْيَةَ الكَلْبِيِّ) أعطاها له ╕ قبل القسمة لأنَّ له صفيَّ المغنم يعطيه لمن يشاء (وَصَارَتْ)‼ أي: فصارت، أو ثمَّ صارت بعده (لِرَسُولِ اللهِ صلعم ) استرجعها منه برضاه، أو اشتراها منه لِما جاء: أنَّه أعطاه عنها سبعة أرؤسٍ، أو أنَّه إنَّما كان أذن له في جاريةٍ من حشو السَّبي لا من أفضلهنَّ، فلمَّا رآه أخذ أَنْفَسَهُنَّ نسبًا وشرفًا وجمالًا استرجعها لأنَّه لم يأذن له فيها، ورأى أنَّ في إبقائها مفسدةً لتميُّزه(8) بها على سائر الجيش، ولِما فيه من انتهاكها مع مرتبتها، وربَّما ترتَّب على ذلك شقاقٌ، فكان أخذها لنفسه صلعم قاطعًا لهذه المفاسد (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) ╕ (وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا) لأنَّ عتقها كان عندها أعزُّ من الأموال الكثيرة، ولأبي ذَرٍّ: ”عتقتها “ بزيادة مُثنَّاةٍ فوقيَّةٍ بعد القاف. (فَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ) بن صُهَيْبٍ المذكور (لثَابِتٍ) البُنانيِّ: (يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَنْتَ) بحذف همزة الاستفهام / في الفرع وأصله، وفي بعض الأصول: ”أأنت“ بإثباتها (سَأَلْتَ أَنَسًا) ولأبي ذَرٍّ: ”أنس بن مالكٍ“: (مَا أَمْهَرَهَا؟) أي: ما أصدقها؟ ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”ما مهرها؟“ بحذف الألف، وصوَّبه القطب الحلبيُّ، وهما لغتان (قَالَ: أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا) بالنَّصب، أي: أعتقها وتزوَّجها بلا مهرٍ، وهو من خصائصه صلعم (فَتَبَسَّمَ).
          وموضع التَّرجمة قوله: «صلَّى الصُّبح بغلسٍ، ثمَّ ركب فقال: الله أكبر»، وفيه: أنَّ التَّكبير يُشرَع عند كلِّ أمرٍ مهولٍ(9)، وعند ما يُسَرُّ به من ذلك إظهارًا لدين الله تعالى وظهور أمره، وتنزيهًا له تعالى من(10) كلِّ ما نسبه إليه أعداؤه، ولا سيَّما اليهود، قبَّحهم الله تعالى.
          وقد تقدَّم هذا(11) الحـــديث في «باب ما يُذكَر في الفخذ»(12) [خ¦371] وتأتـــي بقيَّة مبـــاحثه إن شاء الله تعالى في «المغازي» [خ¦4200] و«النِّكاح» [خ¦5086].


[1] في (د): «في».
[2] في (د) و(ص): «بُيِّن هذا بقوله».
[3] في (د): «بفناء قومهم».
[4] «أي»: ليس في (ص) و(م).
[5] «وهي»: ليس في (د).
[6] في (ب): «كالعوالي».
[7] في غير (ب) و(س): «سيِّدة».
[8] في (ص): «لتمييزه».
[9] في (ب): «يهول».
[10] في (ب) و(س): «عن».
[11] «هذا»: ليس في (د).
[12] في (ب): «الفخر»، وهو تحريفٌ.