إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي بكرة: ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين

          7109- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيَيْنة قال: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ) بن موسى (أَبُو مُوسَى) البصريُّ نزيل الهند، وهو(1) ممَّن وافقت(2) كنيته اسم أبيه، قال سفيان: (وَلَقِيتُهُ بِالكُوفَةِ) والجملة حاليَّةٌ(3) (جَاءَ) ولأبي ذرٍّ: ”وجاء“ (إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ) بضمِّ المعجمة والرَّاء بينهما موحَّدةٌ ساكنةٌ، عبد الله قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفرٍ المنصور (فَقَالَ) له: (أَدْخِلْنِي عَلَى عِيسَى) بن موسى بن محمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن عبَّاسٍ ابن أخي المنصور، وكان أميرًا على الكوفة إذ ذاك (فَأَعِظَهُ) بفتح الهمزة وكسر العين المهملة ونصب الظَّاء المعجمة المشالة، من الوعظ (فَكَأَنَّ) بالهمزة وتشديد النُّون (ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ) على إسرائيل من بطش عيسى؛ لأنَّ إسرائيل كان يصدع بالحقِّ، فربَّما لا يتلطَّف في الوعظ بعيسى، فيبطش به؛ لما عنده من حدَّة الشَّباب وعزَّة الملك (فَلَمْ يَفْعَلْ، قَالَ) إسرائيل: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ) البصريُّ (قَالَ: لَمَّا سَارَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ☻ إِلَى مُعَاوِيَةَ) بن أبي سفيان (بِالكَتَائِبِ) بفتح الكاف والمثنَّاة الفوقيَّة وبالهمزة المكسورة بعدها موحَّدةٌ: جمع كتيبةٍ؛ بوزن(4) عظيمةٍ، «فعيلة» بمعنى: «مفعولة»؛ وهي طائفةٌ(5) من الجيش تُجْمَع، وسُمِّيت بذلك(6)؛ لأنَّ أمير الجيش إذا رتَّبهم وجعل كلَّ طائفةٍ على حِدةٍ؛ كتبهم في ديوانه‼، وكان ذلك بعد قتل عليٍّ ☺ واستِخلاف الحسن، وعند الطَّبريِّ بسندٍ صحيحٍ عن يونس بن يزيد عن الزُّهريِّ: أنَّ عليًّا جعل على مقدِّمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة، وكانوا أربعين ألفًا بايعوه على الموت، فلمَّا قُتِلَ عليٌّ؛ بايعوا الحسن ابنه بالخلافة(7)، وكان لا يحبُّ القتال، ولكن كان يريد أن يشترط على معاوية لنفسه، فعرف أنَّ قيس بن سعدٍ لا يطاوعه على الصُّلح، فنزعه، وعند الطَّبرانيِّ: بعث الحسنُ قيسَ بن سعدٍ على مقدِّمته في اثني عشر ألفًا؛ يعني: من الأربعين، فسار قيسٌ إلى جهة الشَّام، وكان معاوية لمَّا بلغه قتل عليٍّ خرج في عساكره من الشَّام، وخرج الحسن حتَّى نزل المدائن ((8)قَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: أَرَى كَتِيبَةً لَا تُوَلِّي) بتشديد اللَّام المكسورة: لا تدبر (حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا) التي تقابلها(9)؛ وهي التي لخصومهم، أو الكتيبة الأخيرة التي لأنفسهم ومن ورائهم، أي: لا ينهزمون؛ إذ عند الانهزام يرجع الآخر أوَّلًا، قاله في «الكواكب» / ، وقال في «المصابيح»: «تُدْبِر» فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للفاعل، من الإدبار، أي: حتَّى تجعل أخراها مَنْ تقدَّمها دبرًا لها، أي: تخلفها وتقوم مقامها، وفي «الصُّلح» [خ¦2704] إنِّي لأرى كتائب لا تُولِّي حتَّى تقتل أقرانها (قَالَ مُعَاوِيَةُ) لعمرٍو: (مَنْ لِذَرَارِيِّ المُسْلِمِينَ؟) بالذَّال المعجمة وتشديد التَّحتيَّة، أي: من يَكفَلُهم إن قُتِلَ آباؤهم؟ (فَقَالَ: أَنَا) أكفلهم، قال في «الفتح»: ظاهر قوله: «أنا» يوهم(10) أنَّ المجيب عمرو بن العاص، ولم أرَ في طرق الحديث ما يدلُّ على ذلك، فإن كانت محفوظةً؛ فلعلَّها كانت: «فقال: أنَّىَ؟» بتشديد النُّون المفتوحة؛ قالها عمرو على سبيل الاستبعاد (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ) واسم جدِّه: كريزٌ العبشميُّ(11) (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ) وكلاهما من قريشٍ من بني عبد شمسٍ: (نَلْقَاهُ) بالقاف، أي: نجد معاوية (فَنَقُولُ لَهُ: الصُّلْحَ) أي: نحن نطلب الصُّلحَ، وفي «كتاب الصُّلح» [خ¦2704] أنَّ معاوية هو الذي أرسلهما إلى الحسن يطلب منه الصُّلح، فيُحتَمل أنَّهما عرضا أنفسهما، فوافقهما.
          (قَالَ الحَسَنُ) البصريُّ بالسَّند السَّابق: (وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ) نُفيعًا ☺ (قَالَ: بَيْنَا) بغير ميمٍ (النَّبِيُّ صلعم يَخْطُبُ؛ جَاءَ الحَسَنُ) بن عليٍّ ☻ ، زاد البيهقيُّ في «دلائله» من رواية عليِّ ابن زيدٍ عن الحسن: فصعِد المنبر (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم (12): ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ) فأُطلق الابن على ابن البنت (وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ): طائفة الحسن وطائفة معاوية ☻ ، واستعمل «لعلَّ» استعمال «عسى»؛ لاشتراكهما في الرَّجاء، والأشهر في خبر «لعلَّ» بغير «أن»؛ كقوله تعالى: {لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ}[الطلاق:1] وفيه: أنَّ السِّيادة إنَّما يستحقُّها من ينتفع به النَّاس؛ لكونه علَّق السِّيادة بالإصلاح، وفيه عَلَمٌ من أعلام نبيِّنا صلعم ؛ فقد ترك الحسن المُلك؛ ورعًا ورغبةً فيما عند الله‼، ولم يكن ذلك لعلَّةٍ ولا لقلَّةٍ(13) ولا لذلَّةٍ، بل صالَح معاوية رعايةً للدِّين وتسكينًا للفتنة وحقن دماء المسلمين، ورُوِيَ: أنَّ أصحاب الحسن قالوا له(14): يا عار المؤمنين! فقال(15) ☺ : العار خيرٌ من النَّار، وفي الحديث أيضًا دلالةٌ على رأفة معاوية بالرَّعيَّة، وشفقته على المسلمين، وقوَّة نظره في تدبير الملك، ونظره في العواقب.
          وحديث الحسن سبق في «الصُّلح» [خ¦2704] بأتمَّ من هذا.


[1] في (د): «وكان».
[2] في (ع): «وافق».
[3] زيد في (ع): «قال: و».
[4] في (ص): «بمعنى».
[5] «طائفةٌ»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[6] «بذلك»: سقط من (ص) و(ع).
[7] في (ع): «على الخلافة».
[8] زيد في (ص): «و».
[9] في (ص): «تقاتلها».
[10] في (ص): «مُوْهِمٌ».
[11] في (ع): «العبسيُّ»، وهو تحريفٌ.
[12] زيد في (ب) و(س): «إنَّ».
[13] في (ع): «نقله».
[14] «له»: ليس في (د).
[15] في (د) و(ص) و(ع): «فيقول».