إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: وما رأيت منك شيئًا منذ صحبت النبي أعيب عندي من استسراعك

          7105- 7106- 7107- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي روَّادٍ العتكيُّ المروزيُّ الحافظ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزَّاي، محمَّد بن ميمون السُّكَّريِّ(1)، محدِّث مَرْو (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ) أنَّه (قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ) عقبة بن عمرٍو(2) (وَأَبِي مُوسَى) الأشعريِّ (وَعَمَّارٍ) هو ابن ياسرٍ ♥ ‼ (فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ) لعمَّارٍ(3): (مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ(4) فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صلعم أَعْيَبَ عِنْدِي) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وبعد التَّحتيَّة المفتوحة موحَّدةٌ، «أفعل» تفضيل ٍمن العيب، وفيه ردٌّ على القائل: إنَّ «أفعل» التَّفضيل من الألوان والعيوب لا يُسْتعمَلُ من لفظه (مِنِ اسْتِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الأَمْرِ) وإنَّما قال ذلك؛ لأنَّه رأى رأي أبي موسى في الكفِّ عن القتال؛ تمسُّكًا بالأحاديث الواردة فيه، وما في حمل السِّلاح على المسلم من الوعيد (قَالَ عَمَّارٌ: يَا أَبَا مَسْعُودٍ؛ وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلَا مِنْ صَاحِبِكَ هَذَا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِيَّ صلعم أَعْيَبَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا فِي هَذَا الأَمْرِ) لِمَا في الإبطاء من مخالفة الإمام، وترك امتثالِ {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}[الحجرات:9] فكان عمَّار على رأي عليٍّ في قتال الباغين والنَّاكثين والتَّمسُّك بقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} و(5)حَمَلَ الوعيد الوارد في القتال على من كان متعدِّيًا على صاحبه، فكلٌّ جعل الإبطاء والإسراع عيبًا بالنِّسبة لِمَا يعتقده (فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ وَكَانَ مُوسِرًا: يَا غُلَامُ؛ هَاتِ) بكسر الفوقيَّة (حُلَّتَيْنِ، فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَى وَالأُخْرَى عَمَّارًا) بيَّن في هذه أنَّ فاعل «كسا» في الرِّواية السَّابقة [خ¦7102] هو أبو مسعودٍ كما مرَّ (وَقَالَ) لهما: (رُوحَا فِيهِ) بالتَّذكير مصحَّحًا عليه في الفرع / (إِلَى) صلاة (الجُمُعَةِ) وذكر عمر بن شبَّة بسنده: أنَّ وقعة الجمل كانت في النِّصف من جُمادى الآخرة، سنة ستٍّ وثلاثين، وذكر أيضًا من رواية المدائنيِّ عن العلاء أبي محمَّدٍ عن أبيه قال: جاء رجلٌ إلى عليٍّ وهو بالزَّاوية، فقال: علامَ تقاتل هؤلاء؟ قال: على الحقِّ، قال: فإنَّهم يقولون: إنَّهم على الحقِّ، قال: أقاتلهم على الخروج عن الجماعة ونكث البيعة(6)، وعند الطَّبريِّ(7): إنَّ أوَّل ما وقعت الحرب أنَّ صبيان العسكَرين تسابُّوا، ثمَّ ترامَوا، ثمَّ تبعهم العبيد، ثمَّ السُّفهاء، فنشبت(8) الحرب، وكانوا خندقوا على البصرة، فقُتِل قومٌ، وجرح(9) آخرون، وغلب أصحاب عليٍّ، ونادى مناديه: لا تتَّبعوا مُدبِرًا، ولا تُجهِزوا(10) جريحًا، ولا تدخلوا دار أحدٍ، ثمَّ جمع النَّاس وبايعهم، واستعمل ابن عبَّاس على البصرة، ورجع إلى الكوفة، وعند ابن أبي شيبة بسندٍ جيِّدٍ عن عبد الرَّحمن بن أبزى قال: انتهى عبد الله بن بُديل(11) بن ورقاء الخزاعيُّ إلى عائشة يوم الجمل وهي في الهودج، فقال: يا أمَّ المؤمنين؛ أتعلمين أنِّي أتيتك عندما قُتِلَ عثمان، فقلت: ما تأمريني، فقلتِ: الزم عليًّا، فسكتت، فقال(12): اعقروا الجمل، فعقروه، فنزلتُ أنا وأخوها محمَّدٌ، فاحتملنا هودجها، فوضعناه بين يدي عليٍّ، فأَمَر بها، فأُدخلت بيتًا، وعند ابن أبي شيبة والطَّبريِّ(13) من طريق عمر بن جاوان عن الأحنف: فكان أوَّل قتيلٍ طلحة، ورجع الزُّبير فقُتل، وقال الزُّهري: ما شوهدت وقعةٌ مثلها؛ فني فيها الكماة من فرسان مضرَ، فهرب الزُّبير، فقُتِل(14) بوادي السِّباع، وجاء طلحةَ سهم غربٍ، فحملوه إلى البصرة ومات، وحكى سيفٌ(15): كان قتلى الجمل عشرة آلافٍ؛ نصفهم من أصحاب عليٍّ، ونصفهم‼ من أصحاب عائشة، وقيل: قُتِلَ من أصحاب عائشة ثمانية آلافٍ، وقيل: ثلاثة عشر ألفًا، ومن أصحاب عليٍّ ألفٌ، وقيل(16): من أهل البصرة عشرة آلافٍ، ومن أهل الكوفة خمسة آلافٍ.


[1] في غير (ص): «اليشكريُّ»، والمثبت موافقٌ لما في كتب التَّراجم.
[2] في النسخ (عامر)، والمثبت موافقٌ لما في كتب التراجم.
[3] زيد في (ع): «وأبي موسى».
[4] في (ص): «قلت».
[5] في (ع): «في».
[6] في (د): «البيِّنة»، وهو تحريفٌ.
[7] في غير (د): «الطبراني»، ولعلَّه تحريفٌ عن المثبت.
[8] في (ص): «ثمَّ نشب».
[9] في غير (د): «وخرج»، ولعلَّه تصحيفٌ عن المثبت.
[10] في (د): «تذفِّفوا».
[11] في (ع): «محمَّد»، وليس بصحيحٍ.
[12] في (ع): «فقالت».
[13] في (ع): «الطَّبرانيِّ»، وكلاهما صحيحٌ.
[14] قوله: «وقال الزُّهري: ما شوهدت وقعةٌ... فهرب الزُّبير، فقُتِل» سقط من (ص).
[15] في (د): «سفيان»، وليس بصحيحٍ.
[16] زيد في (د): «قُتل».