إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها
  
              

          6943- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابنُ مُسَرْهد قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى‼) بنُ سعيد القطَّان (عَنْ إِسْمَاعِيلَ) بنِ أبي خالدٍ أنَّه قال: (حَدَّثَنَا قَيْسٌ) هو: ابنُ أبي حازم (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ) بفتح الخاء المعجمة والموحدة المشددة وبعد الألف موحدة ثانية، والأَرَتِّ: بفتح الهمزة والراء بعدها فوقية مشددة ابنِ جندلةَ مولى خُزاعة، أنَّه (قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم وَهْوَ) أي: والحال أنَّه (مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ) كساء أسود مربَّع (فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقُلْنَا) له: يا رسول الله (أَلَا) بالتخفيف للتَّحريض(1) (تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟) تطلبُ لنا من الله النَّصر على الكفَّار، وسقطَ «لنا» لأبي ذرٍّ (أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ) صلعم : (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ) من الأنبياءِ وأممِهم (يُؤْخَذُ الرَّجُلُ) منهم (فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ) حفرةً (فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ) بضم التحتية وفتح الجيم ممدودًا (بِالمِيشَارِ) بكسر الميم وسكون التحتية بعدها شين معجمة، وفي نسخة بالنون بدل التحتية، وهي الآلة الَّتي ينشرُ بها الأخشاب (فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ) بضم التحتية وفتح العين (نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ) بضم التحتية وفتح الشين المعجمة (بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ) أي: تحته، أو عندَه (وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ) النَّشر والمشط (عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ) بفتح التحتية وكسر الفوقية وفتح الميم والنون مشددتين واللام للتوكيد، أي: ليكملنَّ (هَذَا الأَمْرُ) بالرفع، أي: الإسلام (حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ) قاعدة اليمن ومدينته العُظمى (إِلَى حَضْرَمَوْتَ) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم وسكون الواو، بلدةٌ باليمن _أيضًا_ بينها وبين صنعاءَ مسافة بعيدة، قيل: أكثر من أربعة أيَّام (لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ) بنصب «الذِّئب» عطفًا على الجلالة الشَّريفة (وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
          ووجه دخول هذا الحديث في التَّرجمة من جهةِ أن طلب خبَّاب الدُّعاء من النَّبيِّ صلعم على الكفَّار دالٌّ(2) على أنَّهم كانوا قد اعتدوا عليهم بالأذَى ظُلمًا وعُدوانًا. قال ابنُ بطَّال ممَّا لخَّصه الحافظ ابنُ حجرٍ في «فتحه»: إنَّما لم يُجِب النَّبيُّ صلعم سؤال خبَّاب ومن معه بالدُّعاء على الكفَّار مع قولهِ تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60] وقولهِ: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ}[الأنعام:43] لأنَّه علم أنَّه قد سبقَ القدرُ بما جرى عليهم من البلوى؛ ليؤجروا عليها، كما جرى(3) به عادةُ الله في أتباعِ الأنبياء، فصبروا على الشِّدَّة في ذات الله، ثمَّ كانت لهم العاقبة بالنَّصر وجزيلِ الأجر. قال: فأمَّا غير الأنبياء فواجبٌ عليهم الدُّعاء عند كلِّ نازلةٍ؛ لأنَّهم لم يطَّلعوا على ما أطلعَ اللهُ عليه النَّبيَّ صلعم . انتهى.
          وتعقَّبه في «الفتح» بأنَّه ليس في الحديث تصريحٌ بأنَّه ◙ لم يَدْعُ لهم‼ بل يحتملُ أنَّه دعا، وإنَّما قال: «قد كان من قبلكم يؤخذ...» إلى آخره تسليةً لهم وإشارةً إلى الصَّبر حتَّى تنقضِي المدَّة المقدورةُ، وإلى ذلك الإشارة بقولهِ في آخر الحديث: «ولكنَّكم تستعجلون». انتهى.
          وتعقَّبه العينيُّ فقال: قولهُ: وليس في الحديثِ تصريحٌ بأنَّه لم يَدْعُ لهم بل يحتملُ أنَّه قد دعا. هذا احتمالٌ بعيدٌ؛ لأنَّه لو كان دعا لهم لما قال: «قد كان من قبلكم...» إلى آخره. وقوله: هذا(4) تسلية لهم... إلى آخره لا يدلُّ على أنَّه / دعا لهم، بل يدلُّ على أنَّهم لا يستعجلون في إجابةِ الدُّعاء في الدُّنيا على أنَّ الظَّاهر منه تركُ الاستعجالِ(5) في هذا الوقتِ، ولو كان يجابُ لهم فيما بَعْدُ.
          والحديث مضى في «علامات النُّبوَّة» [خ¦3612] وفي «مبعث النَّبيِّ صلعم » [خ¦3852].

[1] في (د) و(ص) و(ع): «للتعريض».
[2] في (ع): «دالة».
[3] كذا، وفي «الفتح»: «جرت».
[4] «هذا»: ليست في (س).
[5] قوله: «لا يدل على ... منه ترك الاستعجال»: ليس في (ص).