إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فمن أعدى الأول؟

          5773- 5774- 5775- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بنُ نافع قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حمزة(1) (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ) ولأبي ذرٍّ وابن عساكرَ: ”يقول“: (لَا عَدْوَى).
          (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بالسَّند السَّابق: (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَا تُورِدُوا) بالفوقيَّة وصيغة الجمع (المُمْرِضَ) بكسر الراء في الفرع، وفي غيره: ”المُمْرَضَ“ بفتحها، أي: من الإبل (عَلَى المُصِحِّ) منها فربما يُصاب بذلك المرض، فيقول الَّذي أورده: لو أنِّي ما أوردتُه عليه لم يصبْه من هذا المرض شيءٌ، والواقع أنَّه لو لم يورده لأصابه لأنَّ الله تعالى قدَّره، فنهى عن إيرادهِ لهذه العلَّة الَّتي لا يؤمن غالبًا من وقوعها في قلبِ المرء وهو كنحو قوله صلعم : «فِرَّ من المجذومِ فِرَارك / من الأسدِ» [خ¦5707] وإن كنَّا نعتقدُ أنَّ الجُذامَ لا يُعدي لكنَّا نجد في أنفسنَا نفرة وكراهيةً لمخالطتهِ، ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابنِ عساكرَ: ”لا يورِد“ بالمثنَّاة التَّحتيَّة وكسر الرَّاء في الفرع، وفي غيره: ”لا يُورَدُ“ بفتحها مبنيًّا للمفعول، «الممرِضُ»: رفعٌ، نائبٌ عن الفاعل.
          (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ) بالسَّند السَّابق، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ) بكسر السِّين المهملة وتخفيف النُّون فيهما، واسم أبي سنان يزيد بن أميَّة(2) (الدُّؤَلِيُّ) بضم الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة، نسبةً إلى الدُّؤل بن بكر بنِ عبد مناة بنِ كنانة (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لَا عَدْوَى) يعني: إنَّ المرضَ لا يتعدَّى من صاحبه إلى من يقاربُه من الأصحَّاء فيمرض لذلك، ودخول النَّسخ في هذا كما تخيَّله بعضُهم لا معنى له، فإنَّ قوله: «لا عدوى» خبرٌ محضٌ لا يمكن نسخه إلَّا بأن يُقال: هو نهيٌ عن اعتقاد العدوى لا نفي لها (فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ) لم أعرف اسمَه (فَقَالَ): يا رسول الله (أَرَأَيْتَ) أخبرني (الإِبِلَ تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ) في الصِّحَّة والحسن(3) والقوَّة (فَيَأْتِيهِ(4)) بضميرِ المذكر(5)، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فيأتيها“ (البَعِيرُ الأَجْرَبُ) فيخالطها (فَتَجْرَبُ) لذلك (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : فَمَنْ أَعْدَى) البعير (الأَوَّلَ)‼ مراده صلعم أنَّ الأوَّل لم يَجْرَب بالعدوى بل بقضاءِ الله وقدرهِ فكذلك الثَّاني(6) وما بعده، وزاد في حديث ابن مسعود عند الإمام أحمد بعد قوله: «فمن أجربَ الأوَّل؟» «إنَّ الله خلقَ كلَّ نفسٍ وكتب حالها ومُصابها ورزقها...» الحديث. فأخبر صلعم أنَّ ذلك كلَّه بقضاء الله وقدره، كما دلَّ عليه قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} الاية[الحديد:22] وأمَّا النَّهي عن إيراد الممرضِ فمن باب اجتناب الأسباب الَّتي خلقها الله تعالى وجعلها أسبابًا للهلاك أو الأذى، والعبد مأمورٌ باتِّقاء أسباب البلاء إذا كان في عافية منها، وفي حديثٍ مرسل عند أبي داود(7): أنَّ النَّبيَّ صلعم مرَّ بحائطٍ مائلٍ فقال: «أخافُ موتَ الفَوات».


[1] في (د): «ضمرة».
[2] في (ب): «أبي آمنة»، وفي (ص): «آمنه».
[3] في (د): «في الحسن والصحة».
[4] في (م): «فيأتيها».
[5] في (م) و(د): «المذكور».
[6] في (د) و(م): «الباقي».
[7] هو في مسند أحمد (8666، 8667) متصلًا لكن السند ضعيف جدًا.