إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه

          5458- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكين قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ ثَوْرٍ) بفتح المثلثة، باسم الحيوان، ابن يزيد(1) من الزِّيادة، الشَّاميِّ (عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ) بفتح الميم وسكون العين المهملة (عَنْ أَبِي أُمَامَة) صديِّ بن عجلان ☺ (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ) وعند الإسماعيليِّ من طريقِ وكيعٍ، عن ثور: ”إذا فرغَ من طعامِهِ‼ ورفعتْ مائدتُهُ“. ومن وجهٍ آخر عن ثور: ”إذا رفعَ طعامَه من بين يديهِ“، والمائدةُ تطلقُ ويرادُ بها نفس الطَّعام، أو بقيَّته، أو إناؤه. وعن البخاريِّ المؤلِّف: إذا أكلَ الطَّعام على شيءٍ ثمَّ رفع، قيل: رفعتِ المائدة (قَالَ: الحَمْدُ للهِ) حمدًا (كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ) بفتح الراء (غَيْرَ مَكْفِيٍّ) بنصب غير ورفعه، ومكفيٍّ: بفتح الميم وسكون الكاف وتشديد التحتية، من كفأتُ، أي: غير مردودٍ ولا مقلوبٍ، والضَّمير راجعٌ إلى الطَّعام الدَّالِّ عليه السِّياق أو هو من الكفايةِ، فيكون من المعتلِّ، يعني: أنَّه تعالى هو المطعمُ لعبادهِ والكافي لهم، فالضَّمير راجعٌ إلى الله تعالى.
          وقال العينيُّ: هو من الكفايةِ، وهو اسمُ مفعول أصله: مَكْفُوي على وزن مفعول، فلمَّا اجتمعتْ الواو والياء قلبتْ الواو ياء وأدغمتْ في الياء ثمَّ أبدلتْ ضمة الفاء كسرة لأجل الياء، والمعنى: هذا الَّذي أكلنَاهُ ليس فيه كفاية عمَّا بعده بحيثُ ينقطعُ، بل نعمك مستمرَّةٌ لنا طول أعمارنَا غير منقطعةٍ. وقيل: الضَّمير راجعٌ إلى الحمد، أي: أنَّ الحمد غير مكفيٍّ إلى آخره (وَلَا مُوَدَّعٍ) بضم الميم وفتح الواو والدال المهملة المشددة، غير متروكٍ، ويجوز كسر الدال، أي: غير تاركٍ فيكون حالًا من القائل (وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ) بفتح النون والتَّنوين (رَبَّنَا) بالنَّصبِ على المدحِ، أو الاختصاص، أو النِّداء.
          ويجوزُ الرَّفع خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هو، والجر على البدلِ من اسم الله في قولهِ: الحمد لله. قال الكِرْمانيُّ: وباعتبار مرجع الضَّمير ورفع غير ونصبه تكثر التَّوجيهات بعددها.
          وهذا الحديثُ أخرجهُ في «الأطعمة» [خ¦5459]، والتِّرمذيُّ في «الدَّعوات»، والنَّسائيُّ في «الوليمةِ»، وابن ماجه في «الأطعمةِ».


[1] في (م): «زيد».