إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: توفي النبي حين شبعنا من الأسودين التمر والماء

          5383- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ) هو ابنُ إبراهيم القصَّاب قال: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) بضم الواو وفتح الهاء، ابن خالدٍ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ) هو ابنُ عبد الرَّحمن التَّيميُّ (عَنْ أُمِّهِ) صفيَّة بنت شيبة بنِ عثمان الحَجَبِيِّ (عَنْ عَائِشَةَ ♦ ) أنَّها قالتْ: (تُوُفِي النَّبِيُّ صلعم حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالمَاءِ) وهو من باب التَّغليب كالقمرين للشَّمس والقمر.
          قال في «الكواكب»: حين شبعنَا، ظرفٌ كالحال مَعناه: ما شبعنَا قبل زمانِ وفاتهِ، يعني: كنَّا متقلِّلين من الدُّنيا زاهدين فيها. انتهى.
          قال في «الفتح»: لكن ظاهرَهُ غيرُ مرادٍ، وقد تقدَّم في «غزوةِ خيبرَ» من طريقِ عكرمةَ عن عائشةَ ♦ قالت: «لمَّا فتحنَا خيبرَ قلنَا: الآن نشبعُ من التَّمر» [خ¦4242]، ومن حديثِ ابن عمر قال: «ما شبعنَا حتَّى فتحنَا خيبرَ» [خ¦4243].
          فالمراد أنَّه صلعم توفِّي حين شبعوا واستمرَّ شبعُهم، وابتداؤهُ من فتحِ خيبرَ، وذلك قبل موتهِ صلعم بثلاث سنين. ومرادُ عائشة بما أشارت إليه من الشِّبع هو من التَّمر خاصة دون الماء، لكن فيه إشارةٌ إلى أنَّ تمام الشِّبع حصلَ بجمعهما، فكأنَّ الواو فيه بمعنى: مع، لا أنَّ الماء وحدَه يوجد منه الشِّبع.
          وفي أحاديثِ‼ الباب: جوازُ الشِّبع، وما جاء من النَّهي عنه محمولٌ على الشِّبع الَّذي يثقلُ المعدة ويثبطُ صاحبه عن القيامِ بالعبادة، ويُفضي إلى البطرِ والأشرِ(1) والنَّوم والكسلِ، وقد تنتهِي كراهتُه إلى التَّحريم بحسبِ ما يترتَّب عليه / من المفسدةِ.
          وفي «شرح التَّنقيح» للقَرَافي: يحرمُ على الآكل على مائدةِ الغيرِ أن يزيدَ على الشِّبع بخلاف الآكلِ على سماطِ نفسه إلَّا أن يعلمَ رضا الدَّاعي بأكلِ الزَّائد فلهُ ذلك.


[1] في (م): «الشره».