إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله ضعيفًا

          5381- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أويسٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) هو ابنُ أنسٍ، الإمام الأعظم (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ) عمَّه (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ☺ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ) زيد الأنصاريُّ النَّجَّاري (لأُمِّ سُلَيْمٍ) سهلةَ زوج أبي طلحةَ، وأمِّ أنس بن مالكٍ: (لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صلعم ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ) فيه العملُ بالقرائن (فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ) أي: أدخلتهُ بقوَّة (تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي) بتشديد الدال (بِبَعْضِهِ) أي: جعلتهُ رداء لي (ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ) بالَّذي أرسلتني به (فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فِي المَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلعم : آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟) بمد الهمزة للاستفهام (فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِطَعَامٍ؟) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”لطعام“ بلام بدل الموحدة (قَالَ) أنس: (فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ) وفي رواية يعقوب عند أبي نُعيم: «حتَّى إذا دنوا دخلتُ وأنا حزينٌ لكثرةِ من جاءَ معه» (فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلعم بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ) بالنون، أي: قدر ما يكفيهِم (فَقَالَتْ) أمُّ سليم: (اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ).
          وفيه دليلٌ على فطنتهَا ورُجحان عقلها، وكأنَّها عرفتْ أنَّه صلعم فعل ذلك ليظهر الكرامة في تكثيرِ الطَّعام. وفي روايةِ يعقوب: فقال أبو طلحةَ: يا رسول الله إنَّما أرسلت أنسًا يدعوكَ وحدكَ، ولم يكن عندنا ما يُشبعُ من أرى، فقال: «ادخلْ فإن الله سيباركُ فيما عندكَ».
          وفي روايةِ عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، عن أنسٍ _عند أحمد_: «أنَّ أبا طلحةَ قال: فضحتنَا يا أنس»، وللطَّبرانيِّ في «الأوسط»: «فجعلَ يرميني بالحجارةِ».
          (قَالَ) أنسٌ: (فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صلعم فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ اللهِ صلعم ‼ حَتَّى دَخَلَا) المنزل وقعدَ من معه على الباب (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ) صلعم (فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا) بضم العين وتشديد الكاف، إناءٌ من جلدٍ يكون فيه السَّمن غالبًا والعسل (فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلعم مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ) وفي رواية مبارك بن فَضالة _عند أحمد(1)_: «فقال: هل من سمنٍ؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العُكَّة شيءٌ فجاءا(2) بها فجعلا يَعْصرانها حتَّى خرجَ، ثمَّ مسحَ رسولُ الله صلعم به سبَّابته ثمَّ مسحَ القرص فانتفخَ، وقال: «بسم الله» فلم يزلْ يصنعُ ذلك، والقرصُ ينتفخ، حتَّى رأيتُ القرصَ في الجفنةِ يمتَّع(3)».
          وفي رواية النَّضر بن أنس _عند أحمد_: فجئتُ بها ففتحَ رباطها ثمَّ قال: «بسمِ اللهِ اللَّهمَّ أعظم فيها البركةَ» (ثُمَّ قَالَ) صلعم لأبي طلحةَ: (ائْذَنْ) بالدُّخول (لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ / لَهُمْ) فدخلوا(4) (فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ) ╕ له: (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ) فدخلوا (فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ، فَأَكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا) زادَ في رواية عبدِ الرَّحمن بن أبي ليلى: «ثمَّ أكلَ النَّبيُّ صلعم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرًا» أي: فضلًا، ولمسلم: «ثمَّ أخذَ ما بقيَ فجمعَهُ ثمَّ دعا فيهِ بالبركةِ فعاد كما كانَ».
          والمطابقة ظاهرةٌ، وقد سبق الحديثُ في «علاماتِ النُّبوَّة» [خ¦3578].


[1] هكذا عزاه القسطلاني، ولم نجده بهذا اللفظ في مسند أحمد، وإنما هو عند ابن حبان (5285)، وأبي يعلى (4151).
[2] في (م): «فجاء».
[3] في (د): «يتمنَّع»، وفي (ب) و(م): «يتمتع» وقد كتب على هامش (م): قوله: يتمتع، بخط الشارح، ولعلَّه: يمتع، أي: يرتفع، وفي «القاموس»: متع النهار متوعًا ارتفع والضُّحى بلغ آخر غايته.
[4] في (د): «بالدخول».