إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره

          7096- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفصٌ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران قال: (حَدَّثَنَا شَقِيقٌ) أبو وائل بن سلمة قال: (سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ) بن اليمان (يَقُولُ: بَيْنَا) بغير ميمٍ (نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ)‼ بن الخطَّاب ☺ (إذ قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلعم فِي الفِتْنَةِ؟ قَالَ) حذيفة: قلت: هي (فِتْنَةُ الرَّجُلِ) وفي «علامات النُّبوَّة» [خ¦3586] من طريق شعبة عن الأعمش: قال رسول الله صلعم : «فتنة الرَّجل» (فِي أَهْلِهِ) بالميل، يأتي بسببهنَّ بما لا يحلُّ له (وَ) فتنته في (مَالِهِ) بأن يأخذ من غير حلِّه، ويصرفه في غير حلِّه (وَ) في (وَلَدِهِ) لفرط محبَّته له، والشُّغُل به عن كثيرٍ من الخيرات (وَ) في (جَارِهِ) بالحسد والمفاخرة، وكلُّها / (تُكَفِّرُهَا(1) الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ) أي: تكفِّر الصَّغائر فقط؛ لحديث: «الصَّلاة إلى الصَّلاة كفَّارةٌ لما بينهما ما اجتُنبتِ الكبائر»، ويُحْتَملُ أن يكون كلُّ واحدٍ من الصَّلاة وما بعدها مكفِّرًا للمذكورات كلِّها، لا لكلِّ واحدٍ منها، وأن يكون من باب اللَّفِّ والنَّشر بأنَّ الصَّلاة مثلًا كفَّارةٌ للفتنة(2) في الأهل؛ وهكذا... إلى آخره، وخُصَّ الرجل بالذِّكر؛ لأنَّه في الغالب صاحب الحُكْمِ في داره وأهله، وإلَّا فالنِّساء شقائق الرِّجال في الحكم (قَالَ) عمر ☺ لحذيفة: (لَيْسَ عَنْ هَذَا) الذي ذكرت (أَسْأَلُكَ(3)، وَلَكِنِ) التي أسألك عنها الفتنة (الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ) تضطرب كاضطرابه عند هيجانه، كنايةً عن شدَّة المخاصمة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة، وفيه دليلٌ على جواز إطلاق اللَّفظ العامِّ وإرادة الخاصِّ؛ إذ تبيَّن أنَّ عمر لم يسأل إلَّا عن فتنةٍ مخصوصةٍ، وفي رواية ربعيِّ بن حراشٍ عن حذيفة عند الطَّبرانيِّ: فقال حذيفة: سمعته يقول: «يأتي(4) بعدي فِتَنٌ كموج البحر يدفع بعضها بعضًا»، ويُؤخَذ منها _كما في «الفتح»_ جهة التَّشبيه بالموج، وأنَّه ليس المراد منه الكثرة فقط (فَقَالَ) حذيفة لعمر ☻ : (لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا) بضمِّ الميم وسكون المعجمة وفتح اللَّام، بالنَّصب صفةُ لـ «بابًا»، أي: لا يخرج شيءٌ منها في حياتك، قال ابن المُنَيِّر: آثر حذيفة الحرص على حفظ السِّرِّ، فلم يُصرِّح لعمر ☺ بما سأل عنه، وإنَّما كنَّى عنه كنايةً، وكأنَّه كان مأذونًا له في مثل ذلك، وقال ابن بطَّال: وإنَّما عدل حذيفة حين سأله عمر عن الإخبار بالفتنة الكبرى إلى الإخبار بالفتنة الخاصَّة(5)؛ لِئلَّا يغمَّه ويشغل باله، ومن ثَمَّ قال له: إنَّ بينك وبينها بابًا مغلقًا، ولم يقل له: أنت الباب، وهو يعلم أنَّه الباب، فعرَّض له بما أفهمه(6) ولم يصرِّح(7)؛ وذلك من حسن أدبه (قَالَ عُمَرُ) ☺ مستفهمًا لحذيفة: (أَيُكْسَرُ البَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ) حذيفة: (بَلْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”لا بل“ (يُكْسَرُ، قَالَ عُمَرُ: إِذًا) بالتَّنوين، أي: إنِ انكسر (لَا يُغْلَقَ) نُصِبَ بـ «إذًا»(8) (أَبَدًا) وفي «الصِّيام» [خ¦1895] «ذاك أجدر ألَّا يُغْلَق إلى يوم القيامة»، ويُحتَمَلُ أن يكون كنَّى عن الموت بالفتح، وعن القتل بالكسر، قال حذيفة: (قُلْتُ: أَجَلْ) بالجيم واللَّام المخفَّفة: نعم، قال شقيقٌ: (قُلْنَا(9) لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ؟ قَالَ) حذيفة: (نَعَمْ) كان(10) يعلمه (كَمَا أَعْلَمُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي(11): ”يعلم“(12) (أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً(13)) أي: أعلمه علمًا ضروريًّا مثل هذا (وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ)‼: جمع أغلوطة _بالغين المعجمة والطَّاء المهملة_ ما يُغالط به(14)، أي: حدَّثته حديثًا صدقًا محقَّقًا من حديثه صلعم ، لا عن اجتهادٍ ولا عن(15) رأيٍ، قال شقيقٌ: (فَهِبْنَا) فخِفْنا (أَنْ نَسْأَلَهُ) أي(16): أن نسأل حذيفة: (مَنِ البَابُ؟) أي: من هو الباب؟ (فَأَمَرْنَا) بسكون الرَّاء (مَسْرُوقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله (فَسَأَلَهُ، فَقَالَ) أي: مسروقٌ لحذيفة: (مَنِ البَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ) ☺ .
          والحديث سبق في: «باب المواقيت» من(17) «الصَّلاة» [خ¦525] وفي «الزَّكاة» [خ¦1435] و«الصَّوم» [خ¦1895] و«علامات النُّبوَّة» [خ¦3586].


[1] في (ص) و(ع): «يُكفِّرها»، وهي في «اليونينيَّة» معًا.
[2] في (ع): «تكفِّر الفتنة».
[3] في (ع): «نسألك».
[4] في (د) و(ص): «يأتيكم»، وفي (ع): «تأتيكم».
[5] في (ع): «الصُّغرى». ونبَّه على ذلك العلَّامة قطة ⌂ ، وقال: وهي الأنسب بقوله: «الكبرى».
[6] في (ص): «فهمه».
[7] في (د): «يعرِّض».
[8] في (ع): «إذن».
[9] في (ع): «قلت».
[10] «كان»: ليس في (د) و(ص) و(ع).
[11] «والمُستملي»: سقط من (ص).
[12] قوله: «ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: يعلم» جاء في (ص) قبل قوله: «قال شقيق».
[13] في (ع): «قبله».
[14] في غير (د) و(س): «يغلِّطه».
[15] «عن»: ليس في (د).
[16] «أي»: مثبتٌ من (د).
[17] في (ع): «باب مواقيت».