إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار

          7098- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ) بكسر الموحَّدة وسكون المعجمة، اليشكريُّ قال: (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الهذليُّ مولاهم البصريُّ الحافظُ، غُنْدَرٌ (عَنْ) زوج أمِّه (شُعْبَةَ) بن الحجَّاج الحافظ (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن مهران الأعمش أنَّه قال: (سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ) شقيق بن سلمة (قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ) بن زيدٍ حبِّ رسول الله صلعم ☺ : (أَلَا) بالتَّخفيف‼ (تُكَلِّمُ هَذَا؟) أي: عثمان بن عفَّان ☺ فيما أنكر النَّاس عليه من تولية أقاربه وغير ذلك مما اشتُهِر، وقال المهلَّب: في شأن أخيه لأمِّه الوليد بن عقبة، وما ظهر عليه من شربه الخمر (قَالَ) أسامة: (قَدْ كَلَّمْتُهُ) في ذلك سرًّا (مَا دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا) من أبواب الإنكار عليه(1) (أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ) بصيغة المضارع، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”فتحَه“، بل كلَّمته على سبيل المصلحة والأدب؛ إذِ الإعلان بالإنكار على الأئمَّة ربَّما أدَّى إلى افتراق / الكلمة؛ كما وقع ذلك من تفرُّق الكلمة بمواجهة(2) عثمان بالنَّكير، فالتَّلطُّف والنَّصيحة سرًّا أجدر بالقبول، وقول المهلَّب: «إنَّ المراد الوليد بن عقبة»، تبعه(3) فيه العينيُّ، بل صرَّح بأنَّه في «مسلمٍ»، ولفظه وقد بيَّنه في رواية مسلمٍ: قيل له: ألا تدخل على عثمان وتكلِّمه في شأن الوليد بن عقبة وما ظهر منه من شرب الخمر؟ انتهى. وقد رأيت الحديث في: «باب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ومخالفته»، وليس فيه ما قاله العينيُّ، وقال الحافظ ابن حجرٍ متعقِّبًا المهلَّب: جزمه بأنَّ المراد الوليد بن عقبة ما عرفت مستنده فيه، وسياق مسلمٍ من طريق جريرٍ عن الأعمش يدفعه، ولفظه عن أبي وائلٍ: كنَّا عند أسامة بن زيدٍ، فقال له رجلٌ: ما يمنعك أن تدخل على عثمان فتكلِّمه فيما يصنع؟ قال...؛ وساق الحديث بمثله. انتهى. قلت: وقوله: «بمثله» أي: بمثل الحديث الذي ساقه أوَّل الباب من طريق أبي معاوية، عن الأعمش بلفظ: قيل له: ألا تدخل على عثمان، فتكلِّمه؟ فقال: أترون أنِّي لا أكلِّمه إلَّا ما(4) أُسمِعُكم؟ والله لقد كلَّمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرًا... الحديث، ثمَّ عرَّفهم أسامة بأنَّه لا يُداهن أحدًا ولو كان أميرًا؛ بل ينصحه في السِّرِّ جهده، فقال: (وَمَا أَنَا بِالَّذِي(5) أَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى رَجُلَيْنِ: أَنْتَ خَيْرٌ) من النَّاس، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”اِيْتِ“ بهمزةِ مكسورةٍ فتحتيَّة ساكنةٍ، فعل أمرٍ من «الإتيان»(6)، «خيرًا» نصبٌ على المفعوليَّة (بَعْدَ مَا) أي: بعد الذي (سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم يَقُولُ: يُجَاءُ) بضمِّ الياء (بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ، فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الحِمَارِ بِرَحَاهُ) بفتح الياء من «فيَطحن»، قال في «الفتح»: وفي رواية الكُشْمِيهَنيِّ: ”كَمَا يُطْحَنُ“؛ كذا رأيته في نسخةٍ معتمدةٍ: بضمِّ أوَّله على البناء للمجهول، وفتحها أوجه، ففي رواية سفيان وأبي معاوية: «فتندلق أقتابه، فيدور كما يدور الحمار» [خ¦2267] والأقتاب: الأمعاء، واندلاقها: خروجها بسرعة. انتهى. والذي رأيته في فرع «اليونينيَّة» كأصله عن أبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”كَمَا يَطْحَنُ“ بفتح الياء، مبنيًّا للفاعل ”الحمار برحاه“ (فَيُطِيفُ بِهِ(7) أَهْلُ النَّارِ) يجتمعون حوله (فَيَقُولُونَ) له: (أَيْ فُلَانُ) ما شأنك؟ (أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ) لهم: (إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ) وقول المهلَّب: «إنَّ السَّبب في تحديث أسامة بذلك ليتبرَّأ ممَّا ظنُّوا به من سكوته عن عثمان في أخيه الوليد بن عقبة» تعقَّبه في «الفتح» بأنَّه ليس واضحًا، بل الذي يظهر أنَّ أسامة كان يخشى على من وُلِّيَ‼ ولايةً ولو صغرت أنَّه لا بدَّ له من(8) أن يأمر الرَّعيَّة بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ثمَّ لا يأمن أن يقع منه تقصيرٌ، فكان أسامة يرى أنَّه لا يتأمَّر على أحدٍ، وإلى ذلك أشار بقوله: لا أقول(9) للأمير: إنَّه خير النَّاس، أي: بل غايته أن ينجو كَفَافًا.
          والحديث سبق في «صفة النَّار» [خ¦3267]، وأخرجه مسلمٌ في «باب الأمر بالمعروف» كما سبق.


[1] في (د): «على أنْ».
[2] في (ص): «من مواجهة».
[3] في (د): «تعقَّبه».
[4] «ما»: ليس في (د) و(ص).
[5] في (ع): «الذي».
[6] في (د): «الإيتاء»، وليس بصحيحٍ.
[7] «به»: سقط من (ع).
[8] «من»: ليس في (د).
[9] زيد في (ع): «إلا».