التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب اللعان

          ░25▒ بَابُ اللِّعَانِ.
          هو قول الزَّوج أربع مرات: أشهد بالله أنِّي لمن الصَّادقين فيما قذفتها به من الزنا، وفي الخامسة أنَّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما قذفتني به من الزنا، وفي الخامسة أنَّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين. وسُمِّيَ لعانًا لقوله: {لَعْنَتَ اللَّهِ}[النور:7] لا لأنَّ اللعن هو الإبعاد، وكلٌّ من الزوجين يُبعَدُ عن صاحبه ويحرم النِّكاح بينهما.
          قوله: (فَإِذَا قَذَفَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ فَهُوَ كَالْمُتَكَلِّمِ) إن قلت: المتبادر إلى الذهن في الاستعمال أنَّ الإشارة باليد والإيماء بالرأس أو الجفن ونحوه، ووصفه بالمعروف إشارة إلى كونه مفهومًا معلومًا، أو أراد به ما هو معهود منه، أو كأنَّه أراد الصَّريح من الإشارة وهو ما يفهمه الكل، لا الكناية منه وهو ما يفهمه / الفطن.
          قوله: (لِأَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَدْ أَجَازَ الْإِشَارَةَ فِي الْفَرَائِضِ) أي: كما في الصَّلاة، فإنَّ العاجز عن غير الإشارة يُصَلِّي بالإشارة.
          قوله: (وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {إِلَّا رَمْزًا} إلاَّ إشارَةً) (الضَّحَّاكُ) هو ابن شراحيل الهمداني التابعي المفسِّر. قال ابن بطال: احتج البخاري بقوله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ}[مَرْيَم:92] على صحته إذ عرفوا من إشارتها ما يعرفونه من نطقها، فجعل الرمز كلامًا في قوله: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}[آل عمران:41] قال المهلب: وقد تكون الإشارة في كثير من أبواب الفقه أقوى من الكلام مثل حديث: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ومتى يبلغ البيان إلى ما بلغت إليه الإشارة بما بينهما من مقدار زيادة الوسطى على السبابة.
          قوله: (وَقَالَ بَعْضُ النّاسِ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) أي: لا حدَّ على الأخرس إذ لا اعتبار لقذفه وكذا لا لعان، وقالوا: إن طلَّق يُعتبَرُ طلاقه، وفي بعضها إن طلَّقوا، أي: والجماعة الخرس يُعتبَرُ طلاقهم. وأشار ببعض الناس إلى الحنفية فإنهم قائلون بذلك، قال صاحب «الهداية»: قذف الأخرس لا يتعلَّق به لعان لأنَّه يتعلَّق بالصريح كحدِّ القذف، وقال في آخره: ولا يُحَدُّ بالإشارة في القذف لانعدام القذف صريحًا، وقال: وطلاق الأخرس واقع بالإشارة لأنها صارت معهودة فأقيمت مقام العبارة دفعًا للحاجة.
          وغرض البخاري أنَّهم تحكَّموا حيث قالوا لا اعتبار لقذف الأخرس واعتبروا طلاقه، فهو فرق بدون الافتراق وتخصيص بلا اختصاص.
          قوله: (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ) بفتح الشين المعجمة وإسكان العين المهملة وهو عامر بن شراحيل.
          قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي: النخعي (الْأَخْرَسُ إِنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ).
          واعلم أنَّ أصحابنا قالوا: إشارة الأخرس المفهمة بالعقد كالنطق، وكذلك بالفسخ وبالدعوى، وجوابها والإقرار، وليست كالنطق في أداء الشهادة ولا في إبطال الصَّلاة بها، حتى لو باع واشترى بإشارته في صلاته صحَّ ولم تبطل، وليست كالنطق في الحنث في اليمين إذا حلف على ترك الكلام، وما ذكرناه هو الأصحُّ في المسائل الثلاث.